كقولك: سمعت زيدًا يقول كذا، ولو قلت: سمعت زيدًا - ساكتًا عليه - لم يجز، لأنه لا يفيد، وكذا لو قلت: سمعت زيدًا يقتل، لم يجز، لأن القتل ليس مما يسمع، ولا يجوز أن يكون ﴿يَذْكُرُهُمْ﴾ هو المفعول الثاني كما زعم بعضهم (١) لأن قوله: ﴿يَذْكُرُهُمْ﴾ جملة من فعل وفاعل، والجملة لا تقع مفعولة إلا في باب العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر، وهي كان وأخواتها، وظننت وأخواتها، فإن قلت: فأين المفعول الثاني هنا؟ قلت: قد سدت الصفة مسده، كقولك: سمعت زيدًا يقول كذا، والمعنى: سمعت قوله، فكما سدت الحال هنا مسدّه كما في الآية، سدت الصفة مسده، لأجل أنك إذا سمعته في حال القول، فقد سمعت القول، وكذا إذا سمعت [شخصًا] ذاكرًا، فقد سمعت الذكر، ويقال: صفة أيضًا بعد صفة.
واختلف في ارتفاع قوله: ﴿إِبْرَاهِيمُ﴾، فقيل: هو خبر مبتدأ محذوف، أي: هو إبراهيم، والجملة محكية. وقيل: هو منادى مفرد، فضمته على هذا ضمة بناء. وقيل: هو فاعل ﴿يُقَالُ﴾ (٢)، إذ المراد الاسم لا المسمى، والمراد: فلعله فعل ذلك (٣).
وقوله: ﴿فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ﴾ (على أعين الناس) في موضع نصب على الحال من الضمير في ﴿بِهِ﴾، أي: فأتوا بإبراهيم معاينًا ومشاهدًا، أي: بمرأىً من الخلق حيث تقع عيونهم عليه. ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ ما يفعل به من العقوبة فَيَنْكُلُ غيره عن مثل ما فَعَلَ هو. أو لعلهم يشهدون عليه إذا اعترف بما فعل، فيكون ذلك حجة عليه، عن الحسن وغيره (٤).
(٢) يعني بالفاعل هنا: الذي يقوم مقامه، وقد تقدم مثل هذا.
(٣) اقتصر الزجاج ٣/ ٣٩٦ على كونه خبرًا أو منادى. وتبعه النحاس ٢/ ٣٧٦. ومكي ٢/ ٨٥. والوجه الأخير للزمخشري ٣/ ١٥. ورجحه ابن عطية ١١/ ١٤٤. وجوزه العكبري ٢/ ٩٢١.
(٤) حكاه الماوردي ٣/ ٤٥١. والبغوي ٣/ ٢٤٩ عن الحسن، وقتادة، والسدي رحمهم الله. وانظر المعنيين في جامع البيان ١٧/ ٤٠ مع المصدرين السابقين.