والثالث: أن يكون المفعول الثاني ﴿سَوَاءً﴾ على قراءة من نصب (١)، أي: جعلناه مستويًا العاكف فيه والبادي، فيرتفع العاكف والبادي بـ (سواء) لأن المصدر يعمل عمل اسم الفاعل إذا كان بمعناه، ولذلك أجازت النحاة: مررت برجلٍ سواءٍ درهمه، وبرجل سواءٍ هو والعدم، كما تقول: مستوٍ هو والعدم (٢).
ولك أن تنصب ﴿سَوَاءً﴾ على الحال إما من الذكر الذي في ﴿لِلنَّاسِ﴾، أو من الهاء في ﴿جَعَلْنَاهُ﴾، ويكون ﴿لِلنَّاسِ﴾ على هذا مستقرًا، و ﴿الْعَاكِفُ﴾ أيضًا فاعله على الوجه الثاني، وهو أن يكون الجعل بمعنى الخلق، وعليه يكون ﴿لِلنَّاسِ﴾ ظرفًا أو حالًا، وكذا الجملة بعده على قراءة الجماعة في موضع الحال، و ﴿سَوَاءً﴾ على قراءة من نَصَبَ حال من أحد المذكورين ليس إلا، فاعرفه فإن فيه أدنى غموض (٣).
وقد روي عن بعض القراء: (سواءً العاكفِ فيه والبادي) بجر (العاكف) (٤) على البدل من الناس، (والبادي) معطوف عليه، وكلاهما مجرور على البدل. و ﴿سَوَاءً﴾ على هذه القراءة حال، أو مفعول ثان على ما أوضحت آنفًا.
وقوله: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ (مَنْ) شرطية في موضع رفع بالابتداء، والخبر ﴿يُرِدْ﴾ أو الجواب وهو ﴿نُذِقْهُ﴾. والضمير في ﴿فِيهِ﴾ للمسجد، وهو الحرم.
(٢) انظر الحجة ٥/ ٢٧٢.
(٣) انظر في أوجه الإعراب هذه بالإضافة إلى الحجة: إعراب النحاس ٢/ ٣٩٦ - ٣٩٧. مشكل مكي ٢/ ٩٥ - ٩٦.
(٤) كذا أيضًا حكاها النحاس، والفارسي، ومكي في المواضع السابقة دون نسبة. ونسبها أبو حيان ٦/ ٣٦٣ إلى الأعمش في رواية القطعي، وتبعه تلميذه السمين ٨/ ٢٥٩.