قوله عز وجل: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ﴾ نصب بإضمار فعل تقديره: وجعلنا البدن جعلناها لكم، وقرئ: بالرفع (١) على الابتداء، والخبر: ﴿جَعَلْنَاهَا﴾، والاختيار النصب وهو قراءة الجمهور، لأجل أن قبله ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾ (٢).
و﴿لَكُمْ﴾ متعلق بجعلنا، أي: من أجلكم، ﴿مِنْ شَعَائِرِ﴾ المفعول الثاني، و ﴿مِنْ﴾ مزيدة، وهذا على رأي أبي الحسن، وأما على رأي صاحب الكتاب فالمفعول الثاني محذوف، أي: شيئًا أو بعضًا من شعائر الله.
ويجوز أن يكون جعل هنا بمعنى خلق فيتعدى إلى مفعول واحد، و ﴿مِنْ شَعَائِرِ﴾ على هذا في موضع نصب على الحال من الهاء في ﴿جَعَلْنَاهَا﴾، أي: ثابتة أو كائنة من أعلام الشريعة.
﴿وَالْبُدْنَ﴾ جمع بدنة، كخشبة وخشب، وأصله البُدُن بضم الدال، وبه قرأ بعض القراء (٣)، والإسكان فيه تخفيف. وعن [ابن] أبي إسحاق بالضمتين وتشديد النون (٤) على لفظ الوقف، وأصل الكلمة من الضخامة، يقال: بَدُنَ بَدَانَةً، إذا ضَخُمَ، سميت بذلك لِعِظَمِ بدنها وهي الإبل خاصة، وقيل: الإبل والبقر (٥).
(٢) من الآية (٣٤) المتقدمة.
(٣) هو ابن أبي إسحاق كما في معاني النحاس ٤/ ٤١١. وإعرابه ٢/ ٤٠٣ قال: ورويت عن عيسى، والحسن، وأبي جعفر. وانظر مختصر الشواذ / ٩٥/. ومشكل مكي ٢/ ٩٩. والكشاف ٣/ ٣٣. والمحرر ١١/ ٢٠١. والزاد ٥/ ٤٣١.
(٤) أي (والبُدُنّ). وانظر قراءته هكذا في مختصر الشواذ / ٩٥/. والكشاف ٣/ ٣٣. والبحر ٦/ ٣٦٩.
(٥) هذا قول عطاء كما في جامع البيان ١٧/ ١٦٣. وقال الماوردي ٤/ ٢٦: الجمهور على الأول. قلت: وبالأول أخذ الإمام الشافعي - رحمه الله -، وبالثاني أخذ الإمامان مالك وأبو حنيفة رحمهما الله. وصحح القرطبي ١٢/ ٦١ الأول.