المجرور باللام في قوله: ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ﴾، أو النصب على أصل الباب، كقولك: ما مررت بأحدٍ إلا زيدٍ، بالجر على البدل من أحد، وإلا زيدًا بالنصب على الاستثناء على أصل الباب، هذا هو الوجه وعليه يُبْنَى مذهبُ مَن قَبِلَ شهادة القاذف بعد التوبة والرجوع عن القذف، وهو مذهب أكثر الفقهاء واختيار الإمام الشافعي رضوان الله عليه (١).
قال أبو إسحاق: فإن قال قائل: فما الفائدة في قوله: ﴿أَبَدًا﴾؟ فالجواب: أنّ أَبَدَ كُلِّ إنسانٍ مقدار [مدته فيما يتصل بقضيته، فإذا زال عند] ذلك، فقد زال أبده (٢).
فالأبد عند الشافعي - رضي الله عنه - وموافقية مصروف إلى مدة كونه قاذفًا، وهي تنتهي بالتوبة والرجوع عن القذف، وكفاهم دليلًا قول عمر بن الخطاب رضوان الله عليه لأبي بكرة: "إن تُبْتَ قبلتُ شهادتك" (٣).
وذهب قوم: إلى أن الاستثناء من الفسق فقط، هو مذهب مَن لم يجوز شهادة القاذف بعد التوبة.
وذهب آخرون: إلى أن الاستثناء من الجملتين المنفي والموجب.
وقيل: لا تعلق لما بعد ﴿إِلَّا﴾ بما قبلها، بل هو متصل بما بعده، فـ ﴿الَّذِينَ﴾ مبتدأ وخبره ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أي رحيم لهم، فحذف الراجع منه للعلم به (٤).

(١) انظر مذهب الإمام الشافعي، وهو مذهب الإمام مالك رحمهما الله، وبه قال جمهور المفسرين، في الأم ٧/ ٤١. والنكت والعيون ٤/ ٧٥. ومعالم التنزيل ٣/ ٣٢٣. والكشاف ٣/ ٦٢ والقرطبي ١٢/ ١٧٩.
(٢) معاني أبي إسحاق الزجاج ٤/ ٣١ وارجع إليه ففيه تفصيل أكثر.
(٣) أخرجه الإمام الشافعي في الأم ٧/ ٤١. والبخاري تعليقًا في كتاب الشهادات، باب شهادة القاذف والسارق والزاني. والطبري في التفسير ١٨/ ٧٦.
(٤) انظر هذا الوجه في البيان ٢/ ١٩١. والتبيان ٢/ ٩٦٤ أيضًا.


الصفحة التالية
Icon