للفاعل (١)، من السُّكْرِ، أي: حارت كما يحار السكران في عدم نفوذ نورها، وإدراك الأشياء على حقيقتها.
فإن قلت: هذه القراءة تنصر قول من زعم أن التضعيف للتعدية، وأن سَكِر لا يتعدى. قلت: ليست بناصرة له، ولا له فيها دلالة على ما ادعاه، لأن الفعل إذا بُني للمفعول من غير تضعيف، ولا نقل، ولا جارّ، دل على تعديه بنفسه في أول وضعه، مع أن لنا كثيرًا من الأفعال سُمع مُعدّى وغير مَعَدّى، نحو: غَاضَ المَاء، وغَاضَهُ الله. وَصَعِقَ زَيْدٌ، وصُعِقَ وَغَارَتْ عينه، وغرْتُهَا. وَسَعِدَ زَيْدٌ، وسُعِدَ. ونحو ذلك، فيكون سَكِر منها، والله أعلم.
﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (١٨) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَزَيَّنَّاهَا﴾ الضمير للسماء، وقيل: للبروج (٢)، والأول هو الوجه لقوله: ﴿لِلنَّاظِرِينَ﴾، وقوله: ﴿وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ﴾.
وقوله: ﴿إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ﴾ محل (مَنْ) النصب على الاستثناء، ولا يجوز أن يكون محلها الجر على البدل من ﴿كُلِّ شَيْطَانٍ﴾ كما زعم أبو إسحاق، لأن البدل في باب الاستثناء لا يكون في الموجب (٣).
(٢) اقتصر المفسرون على الأول. وانظر الثاني في البحر المحيط ٥/ ٤٤٩ حيث قدمه أبو حيان، وخالفه تلميذه السمين ٧/ ١٥٠.
(٣) كذا أنكره مكي في المشكل ٢/ ٦. وابن الأنباري في البيان ٢/ ٦٦. وانظر إعراب أبي إسحاق في معانيه ٣/ ١٧٦. وحكاه عنه النحاس في إعرابه ٢/ ١٩٢ دون اعتراض، وانتبه للتصحيف في معاني الزجاج المطبوع. قلت: وهو وجه أجازه العكبري ٢/ ٧٧٨.