المضاعفة، وأن المراد بها عدم الرؤية في مثل تلك الظلمات، فحملهم ذلك على مخالفة أصل وضعها، فقالوا: ببادئ الرأي ما قالوه من غير إنعام النظر وإعمال الفكر، وادعوا لها في الماضي ما لا تستحقه، وتركوا النظر في (إذا) وما فيها من معنى الشرط والجزاء، ولَمَّا تدبرتُ معنى الآيتين وكيف وجه الجمع بينهما، وجدته واحدًا جاريًا على الأصل، وهو خلاف آرائهم، ووجدت (كاد) في الآيتين على أصلها الخاص بها لم تنتقل عنه، فحمدت الله سبحانه على توفيقي للتنبيه لها، والإبانة عن حقيقتها، وذلك أن (إذا) هذه لا يليها إلا الأفعال المستقبلة؛ لتضمنها معنى الشرط والجزاء كما تضمنته (إن) الشرطية، نحو قول الشاعر:
٤٧٦ - إِذَا تَقُومُ يَضُوعُ المِسْكُ أَصْوِرَةً | والعَنْبَرُ الوَرْدُ مِنْ أَرْدَانِهَا شَمِلُ (١) |
٤٧٧ - وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا | وإذا يُحَاسُ الحَيْسُ يُدْعَى جُنْدَبُ (٢) |
(١) البيت للأعشى من معلقته. انظر شرح القصائد المشهورات لابن النحاس ٢/ ١٣٣. والخصائص ٢/ ١١٧. والمخصص ١٧/ ٢٥. وشرح القصائد العشر للتبريزي / ٣٣٢/. وأصورة: نفحات أوتارات.
(٢) هذا البيت من ضمن أبيات في الحكمة والاعتبار يقول صاحبها:
ونسبها سيبويه لرجل من مذحج حيث استشهد ببعض أبياتها ١/ ٣١٩ و ٢/ ٢٩٢. وقال البكري في السمط ١/ ٢٨٨: هي لرجل من بني عبد مناة من كنانة. سماه المرزباني في المعجم / ٢١٥/ عمرو بن الحارث، قال: وقد رويت هذه الأبيات لهني بن أحمر الكناني. وانظر الشاهد في ذيل الأمالي / ٨٥/. والصحاح (حيس). وشرح ابن يعيش ٢/ ١١٠ وانظر نسبة أخرى وتفصيلًا أكثر في خزانة البغدادي ٢/ ٣٧ - ٤١.
(٢) هذا البيت من ضمن أبيات في الحكمة والاعتبار يقول صاحبها:
أمن القضية أن إذا استغنيتم | وأمنتم فأنا الغريب الأجنب |
وإذا الشدائد بالشدائد مَرَّةً | أشجينكم فأنا المحب الأقرب |
وإذا تكون كريهة أدعى لها | وإذا.......... |
ولجندب سهل البلاد وعذبها | ولي الملاح وجنبهن المجدب |
عجبًا لتلك قضية، وإقامتي | فيكم على تلك القضية أعجب |
تلك الظلامة قد عرفت مكانها | لا أُمّ لي إن كان ذاك ولا أب |