عن نفسه، إنما هو خبر عن غائب، فلا يحسن أن تكون الهمزة للاستقبال، وأما قوله: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ﴾ فإنما جاز أن تكون الهمزة للاستقبال، وأن تكون فعلًا مستقبلًا، لأنه فعل للمخبر عن نفسه، فاعرف الفرقان بينهما.
﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (٨٨)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا﴾ الرؤية هنا من رؤية العين، ومحل ﴿تَحْسَبُهَا﴾ النصب على الحال، إما من المنوي في (تَرَى)، أي: وتراها ظانًا إياها، أو من الجبال.
وقوله: ﴿وَهِيَ تَمُرُّ﴾ الواو للحال، وذو الحال الضمير المنصوب في ﴿تَحْسَبُهَا﴾، ولا يكون المنوي في ﴿جَامِدَةً﴾ لفساد المعني، لأن الشيء لا يكون واقفًا مارًا، و ﴿مَرَّ السَّحَابِ﴾ مصدر، والتقدير: مارًا مثل مر السحاب.
وقوله: ﴿صُنْعَ اللَّهِ﴾ مصدر مؤكد لما قبله كـ ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾ (١) و ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ (٢)، لأن ما قبله وهو قوله: ﴿وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ يدل على أن الله تعالى صنعهُ، كأنه قيل: صَنَعَ ذلك صنعًا، [ثم حذف ذلك فقيل: صُنْعَ اللَّهِ، فجيء بفاعل الفعل مظهرًا حيث لم يذكر قبل] (٣). وقيل: منصوب على الإغراء. ويجوز في الكلام رفعه على تقدير: ذلك صُنْعُ اللَّهِ (٤).
وقوله: ﴿خبير بما يفعلون﴾ قرئ بالياء النقط من تحته (٥)، لجري ذكر

(١) سورة الزمر، الآية: ٢٠.
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٣٨.
(٣) ساقط من (أ) و (ب).
(٤) جوزه الزجاج ٤/ ١٣٠. وانظر الأوجة الثلاثة في إعراب النحاس ٢/ ٥٣٧. ومشكل مكي ٢/ ١٥٥ - ١٥٦.
(٥) قرأها ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب، ورويت عن عاصم، وابن عامر كما سوف أخرج.


الصفحة التالية
Icon