وبعد، فإن (أَيًّا) عند أصحابنا مما عينه واوٌ ولامه ياءٌ، وهو من باب (أويت)، وإنما حكموا عليها بذلك نظرًا إلى كثرة طويت، ولويت، وشويت، وإلى قلة باب عييت وحييت، فأصل (أَيّ) على هذا (أَوْيٌ) فاجتمعت الواو والياء، وسبقت الواو بالسكون فقلبت ياء وأدغمت في الياء فصارت (أَيّ) كما ترى، فإذا حذفت إحدى الياءين تخفيفًا وهي الثانية، لأنها لام، فكان القياس أن تعود الأولى إلى أصلها وهو الواو، فيقول: أو ما الأجلين، وإنما لم يرد إلى أصلها وأقر العين مقلوبة دلالة على إرادة الياء التي هي لام، وإشادة بها، كما صحت الواو الثانية في قوله:
٤٩٢ - * وَكَحِّلِ العَيْنَيْنِ بالعَوَاوِرِ (١) *
دلالة على إرادة الياء في عواوير، وإنما حذفت استحسانًا وتخفيفًا لا وجوبًا وتصميمًا، فاعرفه فإنه من كلام أبي الفتح - رحمه الله - (٢).
﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١)﴾:
قوله عز وجل: ﴿أَوْ جَذْوَةٍ﴾ قرئ بكسر الجيم وفتحها وضمها (٣)
(٢) المحتسب الموضع السابق.
(٣) كلها من المتواتر، فقد قرأ عاصم (جَذوة) بفتح الجيم. وقرأ حمزة، وخلف: (جُذوة) بضم الجيم. وكسرها الباقون. انظر السبعة / ٤٩٣/. والحجة ٥/ ٤١٣. والمبسوط / ٣٤٠/. والتذكرة ٢/ ٤٨٤.