غَوَيْنَا} وإن كان فضلة، لأنا رأينا الظرف الذي فيه فضلة لا بد منه في بعض المواضع كقولك: زيد قائم عمرو في داره، فلا بد من قولك: في داره، ليعود من الجملة إلى زيد وهو فضلة في الكلام، فكذا هنا ينبغي أن يكون ﴿أَغْوَيْنَاهُمْ﴾ خبرًا لتعلق قوله: ﴿كَمَا غَوَيْنَا﴾ به وإن كان فضلة، انتهى كلامه:
ومحل الكاف النصب على أنه نعت لمصدر محذوف، أي: أغويناهم فغووا غيًا مثل غينا، والإغواء: الإضلال، والغي: الضلال.
وقوله: ﴿مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ في (ما) وجهان:
أحدهما: نافية، على معنى: تبرأنا إليك من دعائنا إياهم إلى عبادتنا وأمرنا إياهم بها، فما كانوا يعبدوننا بأمرٍ منا لهم بعبادتنا، وإنما كانوا يعبدون أهواءهم، ويطيعون شهواتهم.
والثاني: مصدرية، بمعنى: تبرأنا إليك مما كانوا إيانا يعبدون، أي: من عبادتهم إيانا، فإنا ما دعوناهم إليها.
﴿وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠)﴾:
قوله عز وجل: ﴿لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ﴾ جواب (لو) محذوف، أي: لو كانوا يهتدون في الدنيا بالإيمان والطاعة لم يروا العذاب، أو لما أطاعوهم وما عبدوهم.