من الحيوة، ومعنى الحيوة موجود في قولهم: الحيا، للمطر، ألا ترى أنه يحيي الأرض والنبات كما قال تعالى: ﴿وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ (١) وهذا كثير في القرآن والشعر، وهم يقولون في تثنيته: حييان بالياء لا غير، فلهذا عندي ذهب إلى أن الحيوان من مضاعف الياء لما وجدنا معناه بمعنى الحيا للغيث، فلما لم يجد في الكلام ما عينه ياء ولامه واو نحو: حيوت، ورأى معنى الحيوان في معنى الحيا للمطر، حمله عليه لهذين الشيئين، وبقي أبو عثمان بلا دلالة تدل على قوله، فمذهب الخليل في هذا هو الوجه الذي لا محيد عنه ولا مصرف إلى غيره، انتهى كلامه (٢).
ثم سُمي به ما فيه حياة، فقيل: فلان حيوان. على معنى: أنه ذو الحياة. قيل: وفي بناء الحيوان زيادة معنى ليس في بناء الحياة، وهي ما في بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب، كالغليان والنزوان، والحياة حركة، كما أن الموت سكون، ولهذا اختير هنا عن الحياة لما فيه من المبالغة، فاعرفه (٣).
﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩)﴾:
قوله عز وجل: ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾ انتصاب ﴿مُخْلِصِينَ﴾ على الحال.
(٢) من المنصف ٢/ ٢٨٤ - ٢٨٧.
(٣) الكشاف ٣/ ١٩٥.