على أنه وعدهم وعدًا لا خلف فيه، نص عليه صاحب الكتاب - رحمه الله - (١)، وذلك أن قوله عز وجل: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ...﴾ الآية، وَعْدٌ من الله سبحانه بالنصر، ثم أكد بقوله: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ أي: وَعَدَ اللهُ ذلك وعدًا، وهو إظهار الروم على فارس، ونظيره مسألة الكتاب: له عليَّ ألف درهم عرفًا، فقولك: له عليّ ألف درهم اعتراف، وقولك: عرفًا، هو الاعتراف، فكأنك قلت: أعترف لك بها اعترافًا، فاعرفه (٢).
وقوله: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ فيه وجهان، أحدهما: مستأنف. والثاني: بدل من قوله: ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾. وقيل: وفي هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه وجعله بحيث يقوم مقامه، ويسدُّ مسدَّه، ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا (٣).
وقوله: ﴿وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ يجوز أن يكون ﴿هُمْ﴾ الثانية ابتداء و ﴿غَافِلُونَ﴾ خبره، والجملة خبر ﴿هُمْ﴾ الأولى، وأن يكون بدلًا من الأولى وتكريرًا، وكل ذلك على سبيل التوكيد، ﴿غَافِلُونَ﴾ خبر الأولى، و ﴿عَنِ﴾ من صلة ﴿غَافِلُونَ﴾.
فإن قلت: كيف جاز أن يفصل بين ﴿غَافِلُونَ﴾ وما اتصل به بالابتداء؟ قلت: جاز ذلك لأن اسم الفاعل العاري عن الألف واللام ليس بموصول، فيكون ذلك مانعًا أو غيره، فاعرفه.
﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (٨)﴾:
(٢) الكتاب ١/ ٣٨٠.
(٣) الكشاف ٣/ ١٩٨.