موصوفًا، صفته ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، وحَذْفُ الموصوف وإقامة الصفة مقامه كثير جائز في كلام القوم إذا كان مفهومًا نثرهم ونظمهم، فاعرفه.
قيل: فإن قيل: هل يجوز أن يكون المفعول الثاني أحد الشيئين وهو ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أو ﴿لَا يَمْلِكُونَ﴾؟ فالجواب: لا، أما الأول وهو ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: فلا يجوز، لأن قولك: هم من دون الله، ليس بكلام مستعمل. وأما الثاني وهو ﴿لَا يَمْلِكُونَ﴾: فلا يجوز، لأنهم ما كانوا يزعمون ذلك، وكيف يتكلمون بما هو حجة عليهم وبما لو قالوه قالوا ما هو حق وتوحيد؟
وقوله: ﴿مِنْ شِرْكٍ﴾ مبتدأ وما قبله خبره، ولا يجوز أن يكون اسم (ما) كما زعم بعضهم، لأن (ما) لا يتقدم عليها خبرها.
﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ (عنده) من صلة ﴿تَنْفَعُ﴾، وأما اللام من ﴿لِمَنْ﴾ فيجوز أن تكون من صلته أيضًا، وأن تكون من صلة شفاعة. و (من) هنا يجوز أن تكون الشافع، وأن تكون المشفوع له، وقد مضى الكلام عليه في "طه" عند قوله: ﴿لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ﴾ بأشبع من هذا (١). وأَذِنَ وأُذِنَ (٢) ترجعان إلى معنى، لأن الله تعالى هو الآذن.
وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ قرئ: بضم الفاء وكسر الزاي، مع تشديدها (٣) على البناء للمفعول، وفي القائم مقام الفاعل وجهان:
(٢) إشارة إلى قراءتين متواترتين، إحداهما (أُذِنَ) بضم الهمزة، وهي لأبي عمرو وللكوفيين عدا حفص. والثانية (أَذِنَ) بفتح الهمزة، وهي للباقين من العشرة. انطر السبعة ٥٢٩ - ٥٣٠. والحجة ٦/ ٢١. والمبسوط/ ٣٦٣/.
(٣) هذه قراءة أكثر العشرة كما سيأتي.