وقوله: ﴿لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ﴾ في موضع الحال من الضمير المنصوب في ﴿أَحَلَّنَا﴾ أي: مستريحين فيها، والنَّصَبُ: التعب.
﴿وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ أي: إعياء. وقيل: عناء، والنصب واللغوب متقاربان في المعنى، ومنهم من فرق بينهما فقال: النصب: التعب والمشقة التي تصيب المنتصب للأمر المزاول له، واللغوب: ما يلحقه من الفتور بسبب النَّصَب، فالنصب نفس المشقة والكلفة، واللغوب نتيجته وما يحدث منه (١).
والجمهور على ضم لام اللُّغوب، وهو مصدر لَغَبَ يَلْغُبُ لُغُوبًا، إذا أعيا، وقرئ: (لَغُوبٌ) بفتحها (٢)، وفيه وجهان: أحدهما مصدر أيضًا كالقَبُولِ والوَلُوعِ. والثاني: صفة لمصدر محذوف، أي: لا يمسنا فيه لُغُوبٌ لَغُوبٌ، كأنه يصف اللغوب بأنه قد لَغَبَ، أي: أعيا وأتعب على المبالغة، كقولهم: موتٌ مائتٌ، وشِعْرٌ شَاعِرٌ، وكذا تأول ابن السرَّاج قولهم: تَوَضَّأْتُ وَضُوءًا، أنه وَصْفٌ لمصدر محذوف، أي: وُضُوءًا وَضوءًا، كقولك: وُضُوءًا وَضِيئًا، أي: كاملًا حسنًا (٣).
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٣٨)﴾:
قوله عز وجل: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا﴾ الجمهور على نصب قوله:
(٢) قرأها علي -رضي الله عنه-، وأبو عبد الرحمن السلمي، وسعيد بن جبير. انظر معاني الفراء ٢/ ٣٧٠. وإعراب النحاس ٢/ ٦٩٩. ومختصر الشواذ/ ١٢٤/. والمحتسب ٢/ ٢٠٠. والمحرر الوجيز ١٣/ ١٧٨.
(٣) انظر قول ابن السراج في المحتسب ٢/ ٢٠٠ - ٢٠١.