التنزيل، نحو: ﴿فِيمَ كُنْتُمْ﴾ (١) و ﴿فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ (٢) وشبههما، ولا يجوز الوقوف على الوجه الأول والثاني على ﴿يَعْلَمُونَ﴾، وأما على الوجه الثالث فجائز حسن، فاعرفه.
وقوله: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ﴾ (ما) الأولى نافية لا غير، وفي الثانية، وجهان: أحدهما: نافية أيضًا أعيدت للتأكيد. والثاني: موصولة، ومحلها النصب عطفًا على موضع ﴿مِنْ جُنْد﴾، على: وما أنزلنا على قومه من بعده -أي: من بعد قتله، وقيل: من بعد رفعه إلى السماء (٣) - جندًا، والذي كنا منزلين على الأمم، إذ أهلكناهم بأصناف من العذاب: كالطوفان، والصاعقة، والحجارة وغيرها.
﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾:
قوله عز وجل: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً﴾ (صيحة) خبر كان، واسمها مضمر فيها، أي: ما كانت العقوبة أو الأخْذة إلا صيحةً واحدةً، صاح بهم جبريل عليه السلام فماتوا عن آخرهم. وقرأ ابن القعقاع: (صَيْحَةٌ واحدَةٌ) بالرفع (٤)، على كان التامة، أي: ما وقعت إلا صيحةِّ واحدةٌ، وأنكرت النحاة الرفع وضعفوه (٥)، لأجل تأنيث الفعل، وقالوا: القياس فيه وفي نظائره تذكيره، ألا ترى أنك إذا قلت: ما قامت إلا هند، كان ضعيفًا، والجيد: ما قام إلا هند، وذلك أن الكلام محمول على معناه، أي: ما قام أحد إلا هند. وكان هنا معناه: ما وقع شيء إلا صيحة، فلما كان هذا هو المراد اختاروا تذكير لفظ الفعل إرادةً له وإيذانًا به. ولكنه نَظَرَ إلى ظاهر اللفظ، وأن الصيحة في
(٢) سورة الحجر، الآية: ٥٤.
(٣) كذا أيضًا في القرطبي ١٥/ ٢٠.
(٤) وحده من العشرة. انظر المبسوط / ٣٧٠/. والنشر ٢/ ٣٥٣.
(٥) هو أبو حاتم كما في إعراب النحاس ٢/ ٧١٧. وابن جني كما في المحتسب ٢/ ٢٠٦. لكن الزجاج ٤/ ٢٨٤. وتبعه النحاس قالا: هي جيدة.