وقرئ (مِنْ بَعْثِنَا) بكسر الميم والثاء (١)، على أن (مِن) الجارة والمجرورُ بها المصدرُ، وهي من صلة الويل، أو حال منه، فتكون من صلة محذوف، أي: صادرًا أو كائنًا من بعثنا، وجاز أن يكون الجار حالًا منه كما يجوز أن يكون خبرًا عنه في قولك: ويلي منْك. وقول الأعشى:
٥٣٣ -....................... وَيْلِي عَلَيْكَ وَوَيْلِي مِنْكَ يَا رَجُلُ (٢)
وأما (مِن) في قوله: (مِنْ مَرقدنا) من صلة المصدر الذي هو البعث.
وقوله: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ ابتداء وخبر، و (ما) مصدرية أو موصولة، أي: هذا الذي ترونه وَعْدُ الرحمن وصِدْقُ المرسلين، أي: موعوده، تسميةً للمفعول بالمصدر، كضَرْبِ الأميرِ، وصَيْدِ الصائدِ، أو الذي وَعَدَ به الرحمنُ وصَدق فيه المرسلون، ﴿هَذَا﴾ مبتدأ، و ﴿مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ خبره، ويجوز أن يكون ﴿هَذَا﴾ صفة للمرقد، تعضده قراءة من وقف على ﴿هَذَا﴾ وهو حفص عن عاصم (٣)، ثم ابتدأ فقال: ﴿مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾، على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو، أو هذا وَعْدُ الرحمن، أو بالعكس، أي: ما وَعَدَ الرحمنُ حَقٌّ.
وقوله: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً﴾ أي: ما كانت إعادتهم أو بعثهم أو
(٢) من معلقته، وصدره:
قالت هريرةُ لما جئتُ زائرَها.........................................
وانظره في شرح القصائد المشهورات للنحاس ٢/ ١٣٨ والمحتسب ٢/ ٢١٣. والصحاح (ويل). وشرح القصائد العشر للتبريزي/ ٣٣٦/.
(٣) الوارد عن حفص أنه يقف على (مِن مرقدنا) ثم يبتدأ فيقول: (هذا ما وعد الرحمن... ) انظر القرطبي ١٥/ ٤٢ والدر المصون ٩/ ٢٧٦. وحفص هو ابن سليمان أبو عمر الأسدي الكوفي المقرئ الإمام صاحب عاصم وابن زوجته. كان في القراءة ثقة ثبتًا ضابطًا لها بخلاف حاله في الحديث، عاش تسعين سنة، وتوفي سنة ثمانين ومائة. (معرفة القراء الكبار).