والثاني: على معنى الإنكار، والأَلّ: الأنين. وقيل: المعنى. بل خلقت ما يتعجب منه، والله تعالى يخاطب الخلق بما يألفون ويعرفون من خطابهم، والعجب منه على خلافه منهم كما قال: ﴿سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ (١)، و ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ (٢)، ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ (٣) وقيل: الفعل مسند إلى كل من بلغه إنكار المشركين البعث وتكذيبهم المُرْسَلَ -صلى الله عليه وسلم-، وغير ذلك مما يتعجب منه، على: أن هذا عَظُمَ عندي حتى بلغ منزلة يقال فيه: عجبت منه (٤).
وقوله: ﴿أَإِذَا مِتْنَا﴾ أي: أَنُبْعَثُ إذا متنا؟ دَلَّ عليه ﴿لَمَبْعُوثُونَ﴾، ولا يجوز أن يكون (إذا) معمولَ ﴿لَمَبْعُوثُونَ﴾ لما ذكر في غير موضع: أن ما بعد إن لا يعمل فيما قبله (٥).
وقوله: ﴿أَوَآبَاؤُنَا﴾ عَطْفٌ على موضع (إنّ) واسمها، أو على الضمير في ﴿لَمَبْعُوثُونَ﴾، وجاز ذلك من غير تأكيد، لأجل الفصل بهمزة الاستفهام، والتقدير: أَيُبْعَثُ أيضًا آباؤنا؟
وقرئ: بفتح الواو على أنه واو العطف، وبإسكانه (٦)، على أنه أو الذي هو لأحد الشيئين أو الأشياء، أي: أَنُبْعَثُ نحن أو آباؤنا؟ مبالغة في الإنكار وزيادة في الاستبعاد، لأنهم أقدم، فَبَعْثُهم أبعد.
{وَقَالُوا يَاوَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ

(١) سورة التوبة، الآية: ٧٩.
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٥.
(٣) سورة آل عمران، الآية: ٥٤.
(٤) انظر الكشف عن وجوه القراءات ٢/ ٢٢٣. والبيان ٢/ ٣٠٣. والتبيان ٢/ ١٠٨٨.
(٥) انظر إعرابه للآية (٤٩) من الإسراء.
(٦) كلاهما من المتواتر، فقد قرأ أبو جعفر، وابن عامر، ونافع سوى ورش: (أَوْ آباؤنا) بإسكان الواو، ومثلها في الواقعة (٤٨). وفتحها الباقون في الموضعين. انظر التذكرة ٢/ ٥١٨. والكشف ٢/ ٢٢٣. والنشر ٢/ ٣٥٧.


الصفحة التالية
Icon