وقوله: ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ الفصل هنا يجوز أن يكون بمعنى المفصول، كضَرْبِ الأمير، وخَلْقِ الخالق، لأنهم قالوا: كلام مُلْتبس، وفي كلامه لَبْسٌ، والملتبِسُ المختلِطُ، فقيل في نقيضه: فصل، أي: مفصول بعضه من بعض. وأن يكون بمعنى الفاصل، لأنه يفصل بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، وغير ذلك، قاله الزمخشري (١).
﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (٢٢) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (٢٣)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا﴾ اختلف في الاستفهام هنا، فقيل: هو بمعنى النفي، أي: ما أتاك قبلُ وقد أتاك الآن. وقيل: بمعنى التنبيه على جلالة هذا النبأ، وأنه من الأنباء العجيبة التي حقها أن تشيع (٢). وقيل: بمعنى قد (٣). والنبأ: الخبر. والخصم: يقع على الواحد والجمع كالضيف، لأنه مصدر في الأصل، والمصدر لا يثنى ولا يجمع، يقال: خَصَمَهُ يَخْصِمُهُ خَصْمًا، إذا غَلَبَهُ بالخصومة.
وقوله: ﴿إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ... إِذْ دَخَلُوا﴾ (إذ) الأول يجوز أن يكون ظرفًا للنبأ، أو للخصم لما فيه من معنى الفعل، لا لأَتَى كما زعم بعضهم (٤)، لأن إتيان النبأ نبينا عليه الصلاة والسلام كان في زمانه لا في زمان داود عليه السلام. وأما الثاني: فيجوز أن يكون بدلًا من الأول، وأن يكون ظرفًا

(١) الكشاف ٣/ ٣٢١.
(٢) قاله الزمخشري ٣/ ٣٢٢.
(٣) زاد المسير ٧/ ١١٢ عن أبي سليمان.
(٤) المحرر الوجيز ١٤/ ١٩.


الصفحة التالية
Icon