كذلك، فهم مبتدأ، وخبره محذوف وهو كذلك، والمعنى: أن الموصوفين بهذه الصفة وهي الإيمان وإصلاح العمل قليلون.
وقوله: ﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ﴾ الظن هنا بمعنى العلم واليقين.
والجمهور على تشديد نون ﴿فَتَنَّاهُ﴾، ومعناه: ابتليناه واختبرناه، من قولهم: فتنتُ الذهبَ، إذا أدخلتَهُ النار لتنظر جودته، وقرئ: (فَتَّنَّاهُ) بتشديد التاء والنون (١) للمبالغة. و (أَفْتَنَّاهُ) بألف قبل الفاء (٢)، وهما لغتان، أعني فتنت وأفتنت، وأنشد أبو عبيدة لأعشى همدان (٣):

٥٤٨ - لئن فَتَنَتْنِي لَهي بالأمس أَفْتَنَتْ سَعِيدًا فأمسى قد قَلَى كلَّ مُسْلِمِ (٤)
وأنكر الأصمعي: أَفْتَنْتُ بالألف (٥). والفعل لله جل ذكره في هذه القراءة. و (فَتَنَاهُ) بالتخفيف (٦)، على أن الألف ضمير المَلَكَيْنِ، وهما الخصمان اللذان اختصما إليه في قوله: ﴿خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ﴾ (٧) أي: علم وأيقن أنهما اختبراه فخبّراه بما ركبه من التماسه امرأة صاحبه (٨).
(١) نسبت إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، انظر إعراب النحاس ٢/ ٧٩٢. ومختصر الشواذ / ١٣٠/. والمحتسب ٢/ ٢٣٢. والمحرر الوجيز ١٤/ ٢٦. وزاد المسير ٧/ ١٢٣.
(٢) قرأها الضحاك كما في المحرر الوجيز ١٤/ ٢٦. والبحر ٧/ ٣٩٣. والدر المصون ٩/ ٣٧٢.
(٣) غير أعشى قيس صاحب المعلقة. وهذا شاعر إسلامي مكثر مقدم محسن، خرج مع ابن الأشعث، فأسره الحجاج وقتله. (المؤتلف والمختلف).
(٤) انظر هذا الشاهد في معجم العين ٨/ ١٢٨. ومجاز أبي عبيدة ١/ ١٦٨. وجمهرة ابن دريد ١/ ٤٠٦. والخصائص ٣/ ٣١٥. والمقاييس ٤/ ٤٧٣. والصحاح (فتن). والمخصص ٤/ ٦٢.
(٥) انظر الجمهرة والصحاح الموضعين السابقين.
(٦) رواية علي بن نصر، وعبد الوهاب كلاهما عن أبي عمرو، كما قرأها قتادة. انظر السبعة / ٥٥٣/. والحجة ٦/ ٧٠. ومعاني النحاس ٢/ ١٠٣ وإعرابه ٢/ ٧٩٢. ومختصر الشواذ /١٣٠/. والمحتسب ٢/ ٢٣٢. ونسبت في زاد المسير ٧/ ١٢٢ إلى أنس بن مالك -رضي الله عنه-، والحسن أيضًا.
(٧) من الآية (٢٢).
(٨) انظر مثل هذا التوجيه في المحتسب ٢/ ٢٣٣.


الصفحة التالية
Icon