وقوله: ﴿فَامْنُنْ﴾ إما من المن وهو الإنعام، أي: فأَعْطِ مَن شئتَ منه وامنع من شئت، ليس عليك في ذلك حرج، أو من المِنَّةِ، على معنى: هذا التسخير الذي (١) جعلناه لك في الشياطين عطاؤنا، فامنن على من شئت منهم بالإطلاق، وأمسك من شئت منهم في الوثاق غيرَ محاسَبٍ.
﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (٤٢) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٤٣) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى﴾ (عبدنا) مفعول ﴿وَاذْكُرْ﴾، و ﴿أَيُّوبَ﴾ بدل منه أو عطف بيان، و ﴿إِذْ﴾ بدل منه وهو بدل الاشتمال، والتقدير: واذكر يا محمد عبدنا أيوب زمن مناداته رَبَّه. ولا يجوز أدن يكون ﴿إِذْ﴾ معمول ﴿وَاذْكُرْ﴾ كما زعم بعضهم، لأن الأمر بالذكر لم يكن في ذلك الوقت.
و﴿أَنِّي مَسَّنِيَ﴾ حكاية لكلامه الذي ناداه بسببه، ولو لم يحك لقال: بأنه مسه، لأنه غائب (٢).
وقوله: ﴿بِنُصْبٍ﴾ الجمهور على ضم النون وإسكان الصاد، وقرئ: بضمهما (٣)، وفتحهما (٤)، وبفتح النون وإسكان الصاد (٥). وكلها لغات بمعنىً، وهو التعب والمشقة.
(٢) انظر الكشاف ٣/ ٣٣٠.
(٣) لأبي جعفر وحده من العشرة كما سيأتي.
(٤) ليعقوب. وانظر القراءتين مع قراءة الباقين في المبسوط/ ٣٨٠/. والتذكرة ٢/ ٥٢٥. والنشر ٢/ ٣٦١.
(٥) رواية هبيرة عن حفص عن عاصم. انظر السبعة/ ٥٥٤/ وحجة الفارسي ٦/ ٧٠. وحجة ابن خالويه/ ٣٠٤/.