وقوله: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ مبتدأ وخبره، واختلف في الإشارة، فقيل: إلى ﴿طسم﴾، والمراد بها جميع حروف التهجي، أي: تلك الحروف حروف آيات الكتاب، لا تخرج عنها، و ﴿الْكِتَابِ﴾: القرآن. وقيل: إلى ما في الكتب المتقدمة في ذكر القرآن. وقيل غير هذا، ولا يليق ذكره هنا (١).
وقيل: ﴿تِلْكَ﴾ خبر مبتدأ محذوف، أي: هذه تلك، و ﴿آيَاتُ﴾: بدل من هذه، وقد مضى الكلام على نحو هذا فيما سلف من الكتاب بأشبع من هذا (٢).
وقوله: ﴿أَلَّا يَكُونُوا﴾ مفعول له، أي: قاتِلٌ نفسَكَ لتركهم الإيمان، أو مخالفة أَلَّا أَو لِئَلَّا، والبَخْعُ: القتل والهلاك، ولعل: للإشفاق، والمعنى: أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة على ما فاتك من إيمان قومك، والقتل قد يستعمل في شدة الحرص، يقال: فلان يقتل نفسه على كذا.
﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (٤) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٦)﴾:
قوله عز وجل: ﴿فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ (فظلت) عطف على جواب الشرط الذي هو ﴿نُنَزِّلْ﴾، لأنه لو قيل: أنزلنا، لكان جائزًا، فموضع الفاء وما بعده جزم بالعطف على ما ذكر آنفًا لا الرفع كما زعم بعضهم (٣)، لأن الفائدة منوطة بها.
أبو إسحاق: معنى ﴿فَظَلَّتْ﴾ فتظل، لأن الجزاء يقع فيه لفظ الماضي في معنى المستقبل (٤).

(١) انظر في هذا مشكل مكي ٢/ ١٣٩.
(٢) انظر إعرابه لأول آيات سورة البقرة.
(٣) جوزه أبو البقاء ٢/ ٩٩٣ بعد الوجه الأول.
(٤) معانيه ٤/ ٨٢.


الصفحة التالية
Icon