الدار، على أنهم لا يشوبون ذكرى الدار بِهَمٍّ آخر، إنما همهم ذكرى الدار لا غير.
وأما إضافة ﴿ذِكْرَى﴾ إلى ﴿الدَّارِ﴾ فيجوز أن تكون من إضافة المصدر إلى المفعول به، أي: أخلصناهم بسبب ذكراهم الآخرة، وذكرهم لها، وَوَجَلُ قلوبهم منها ومما يكون فيها مما لا يحصى، وأن تكون من إضافته إلى المفعول به على السعة وهو ظرف في المعنى، والمفعول به محذوف، أي: ذِكْرُهُم الوقوف، أو الحساب، أو غير ذلك فيها، وفي الكلام على هذا حذفان، حذفُ المفعول به، وحذف الجار، كذهبتُ الشامَ، عند صاحب الكتاب رحمه الله (١). وقيل: المراد بالدار الدنيا، على معنى: أبقينا عليهم الثناء الجميل في الدنيا (٢)، فالدار على هذا أيضًا: ظرف كالوجه المذكور آنفًا، فاعرفه.
وقوله: ﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ (عندنا) يجوز أن يكون من صلة الخبر، وأن يكون من صلة محذوف دل عليه الخبر وهو ﴿لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ﴾. أي: وإنهم مصطفون عندنا، ولا يجوز أن يكون من صلة هذا الظاهر، لأنه في صلة الألف واللام، وما كان في الصلة لا يتقدم على الموصول.
وحذفت الألف من المصطفين لسكونها وسكون ياء الجمع بعدها، وكانت أولى بالحذف، لأن قبلها فتحة تدل عليها، وأصل مصطفى: مصتفى، لأنه من الصفاء والصفوة، فأبدلت من التاء إلى الطاء لكونها من مخرجها، لتوافق الصاد في الإطباق والجهر.
و﴿الْأَخْيَارِ﴾: جمع خَيِّر، أو خَيْر على الحذف للتخفيف، كأموات في جمع مَيِّتْ أو مَيْتِ.
(٢) الحجة ٦/ ٧٢ - ٧٣.