وجاز أن يعمل ما بعد اللام فيما قبله لأن أصله أن يكون في الابتداء، وإنما أُخِّر لأجل (إِنَّ)؛ [أي]: وإن القرآن لَعَلِيّ في هذا المحل، وأما ﴿لَدَيْنَا﴾ فيحتمل أن يكون بدلًا من قوله: ﴿فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾، وأن يكون صفة للخبر، فلما قدم عليه حكم عليه بالحال، ولا يجوز أن يكون أحد الظرفين الخبر، لأجل اللام، كقولك: إن زيدًا في الدار عند عمرو لجالس.
﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (٥)﴾:
قوله عز وجل: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (٥)﴾ الصفح: الإعراض، يقال: صفَّحْتُ عن فلان أَصْفَحُ صَفْحًا، أي: أَعْرَضتُ عنه أو عن ذنبه، والصَّفْحُ أيضًا: الناحية والجانب، يقال: نظر إليّ بصفْحِ وجهه، وصُفْحِ وجهه، أي: بِعُرْضِهِ.
فإذا فهم هذا، فقوله جل ذكره: ﴿صَفْحًا﴾ على الوجه الأول: يجوز أن يكون مفعولًا له، على: أفنمسك عنكم إنزال القرآن إعراضًا عنكم؟ وأن يكون في موضع الحال، أي: صافحين، أو ذوي صفح. وأن يكون مصدرًا مؤكدًا لقوله: ﴿أَفَنَضْرِبُ﴾، لأنه في معنى أَفَنَصفَحُ؟.
وأما على الوجه الثاني: فيكون ظرفًا ليس إلا، على معنى: أفنمسك عنكم جانبًا؟ تعضده قراءة من قرأ: (صُفْحًا) بالضم (١)، وقد جوز في هذه القراءة وجه آخر، وهو أن يكون تخفيف صفُحٍ جمع صفوح، كرُسُلٍ في جمع رسولٍ، فيكون انتصابه على الحال لا غير، أي: صافحين، فاعرفه فإنه موضع.
وقرئ: (أن كنتم) بفتح الهمزة (٢)، على أنها مفعول له، أي: لأن
(٢) قرأها ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو، وعاصم، ويعقوب كما سوف أخرج.