قوله عز وجل: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً﴾ الضمير للبراءة، أي: وجعل إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه البراءة من الأصنام ومن كل معبود سوى الله.
وقوله: ﴿بَلْ مَتَّعْتُ﴾ الجمهور على ضم التاء، وقرئ: (بل متعتَ) بفتح التاء (١)، على أن الله تعالى اعترض على ذاته في قوله: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ فقال: بل متعتهم بما متعتهم به من طول العمر، والسعة في الرزق، حتى شغلهم ذلك عن كلمة التوحيد. ويحتمل أن يكون حكاية عن قول خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام.
﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢)﴾:
قوله عز وجل: ﴿عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ﴾ اختلف أهل التأويل في التقدير، فقال قوم: التقدير: على رجل من إحدى القريتين، أرادوا إما مكة وإما الطائف، كقوله: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢)﴾ (٢) أي: من أحدهما (٣).
وقال آخرون: ليس التقدير من إحدى القريتين، بل المراد من القريتين كلتيهما، والمراد به عروة بن مسعود لأنه كان يسكن مكة والطائف جميعًا، وكان له في مكة أموال، وله في الطائف عُقَدٌ وضياع، وكان ينسب إليهما جميعًا (٤).

(١) قرأها قتادة، ورواها يعقوب عن نافع. انظر المحرر الوجيز ١٤/ ٢٥٢. والبحر المحيط ٨/ ١٢.
(٢) سورة الرحمن، الآية: ٢٢.
(٣) هذا قول أبي العباس المبرد، وأبي جعفر النحاس كما في معانيه ٦/ ٣٥٢.
(٤) انظر هذا القول في الدر المصون ٩/ ٥٨٤.


الصفحة التالية
Icon