محذوف، أي: نجزي المجرمين جزاء مثل ذلك الجزاء.
﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٢٦) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧)﴾:
قوله عز وجل: ﴿لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾ يجوز أن تكون (ما) في قوله: ﴿فِيمَا﴾: موصولة وما بعدها صلتها، وأن تكون موصوفة وما بعدها صفتها، وفي ﴿إِنْ﴾ وجهان:
أحدهما: -وهو الوجه-: أنها نافية، والمعنى: ولقد مكناهم في الذي، أو في شيءٍ ما مكناكم فيه، هانما عُدل عن (ما) إلى (إن) كراهة اجتماع المثلين، وهم يكرهون اجتماعهما، ألا ترى أن أصل مهما: ماما عند الخليل رحمه الله (١) إذ قلبوا الألف هاء لما ذكر آنفًا.
والثاني: صلة على تأويل: أنَّ أحوالهم كانت كأحوالكم، ولستم بأكثر منهم مُكْنَةً وقُدرةً، فإذا قدرنا على إهلاكهم فنحن قادرون أيضًا على إهلاككم، والوجه هو الأول بشهادة قوله: ﴿كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا﴾ (٢)، وقوله: ﴿هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ (٣).
وقيل: ﴿إِنْ﴾ شرطية وجوابها محذوف، والتقدير: فيما إن مكناكم فيه كنتم أكثر بغيًا منهم (٤).
وقوله: ﴿إِذْ كَانُوا﴾ (إذ) ظرف لقوله: ﴿فَمَا أَغْنَى﴾ أي: لم يغن عنهم

(١) انظر الكتاب ٣/ ٥٩ - ٦٠.
(٢) سورة غافر، الآية: ٨٢.
(٣) سورة مريم، الآية: ٧٤.
(٤) انظر هذا الوجه في النكت والعيون ٥/ ٢٨٥. والمحرر الوجيز ١٥/ ٣٥.


الصفحة التالية
Icon