(قَادِرٌ) بالرفع من غير باء وهو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (١). والباء في قراءة الجمهور صلَةٌ، وإنما جيء بها لاشتمال النفي في أول الكلام على ﴿أَنَّ﴾ وما في حيزها، حكى الكسائي عن القوم: ما ظننت أنه بذاهب، ولا أدري أنه بشاخص، يزيدون الباء إذا كان في أول الكلام نفي، وكفاك دليلًا إتيان ﴿بَلَى﴾ مُقَرِّرَةً للقدرة على كل شيء.
وقوله: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ﴾ أي: واذكر يوم يعرض، فهو مفعول به، ويجوز أن يكون ظرفاً لقولٍ مضمر قبل ﴿أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾، أي: يقال لهم في ذلك اليوم أليس هذا بالحق، و ﴿هَذَا﴾ إشارة إلى العذاب.
﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (٣٥)﴾:
قوله عز وجل: ﴿أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ قد جوز أن تكون ﴿مِنَ﴾ للتبعيض، ويراد بأولي العزم بعض الأنبياء، وهم قوم مخصوصون ثبتوا على ما ابتلوا به صابرين على البلاء، قيل: وهم ستة: نوح عليه السلام صبر على أذى قومه، وإبراهيم عليه السلام صبر على النار، وإسحاق عليه السلام صبر على الذبح، ويعقوب عليه السلام صبر على فقد الولد وذهاب البصر، ويوسف عليه السلام صبر في الجب والسجن، وأيوب عليه السلام صبر على الضر (٢). وأن تكون للتبيين كقوله: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ (٣) فالرسل كلهم على هذا أولو العزم، لأنهم لا يمنعهم عن المضي على أمر الله تعالى مانع. و ﴿سَاعَةً﴾: ظرف
(٢) هذا على قول مقاتل كما في معالم التنزيل ٤/ ١٧٦. والقرطبي ١٦/ ٢١٩. والأكثر على أنهم خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين. وقيل: جميع الرسل. وانظر جامع البيان ٢٦/ ٣٧.
(٣) سورة الحج، الآية: ٣٠.