وقوله: ﴿فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ﴾ جواب (إذا) محذوف، أي: كذبوا وتكلموا، ومعنى عزم: جَدَّ، والعزم والجد لذوي الأمر في الحقيقة، وإنما يسندان إلى الأمر تجوزًا ومجازًا مع عدم اللبس.
﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (٢٣) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)﴾:
قوله عز وجل: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا﴾ (أن تفسدوا) في موضع نصب بخبر ﴿عَسَيْتُمْ﴾، والشرط اعتراض بين الاسم والخبر، والتقدير: فهل عسيتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم إن توليتم، أي: إن أعرضتم (١) عن الإيمان والطاعة.
وقيل: إن توليتم الحكم فصرتم حكامًا أن تفسدوا في الأرض بأخذ الرُّشا، أو توليتم أمور الناس أن تفسدوا في الأرض بالظلم والفساد (٢)، تعضده قراءة من قرأ، (إن تُوُلِّيتم) بضم التاء والواو وكسر اللام، وهو علي ابن أبي طالب رضي الله عنه (٣)، بمعنى: تولاكم ولاة جبابرة، خرجتم معهم في الفتنة، ومشيتم تحت لوائهم، وعاونتموهم على ظلمهم، وقراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنْ وُلِيتُمْ) بواو واحدة مضمومة وكسر اللام خفيفة (٤).
(٢) هذا قول أبي العالية كما في النكت والعيون ٥/ ٣٠٢. وقول القرظي كما في زاد المسير ٧/ ٤٠٧. وقول الكلبي كما في القرطبي ١٦/ ٢٤٥. ومعنى (إن توليتم) هنا من ولاية الحكم.
(٣) قراءة صحيحة ليعقوب من طريق رويس، وبها قرأ سيدنا علي -رضي الله عنه-. انظر التذكرة ٢/ ٥٥٧. والنشر ٢/ ٣٧٤. ومعاني النحاس ٦/ ٤٨٢ - ٤٨٣ وإعرابه ٣/ ١٧٦. ومختصر الشواذ / ١٤٠/. والمحتسب ٢/ ٢٧٢. والكشاف ٣/ ٤٥٨.
(٤) هكذا خفيفة، ومثله في المحرر الوجيز ١٥/ ٧٠. وفي المطبوع قلبها المحقق إلى: ثقيلة. وأشار إلى أنها في بعض النسخ خفيفة، لكنه قال: والصحيح ثقيلة كما في المحتسب. قلت: لم يضبطها أبو الفتح، وإنما ضبطها محققه. وكذا هي بالتشديد في الدر المصون =