وقوله: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ﴾ (تدعوا) يجوز أن يكون مجزومًا داخلًا في حكم النهي، أي: لا تهنوا ولا تدعوا، وأن يكون منصوبًا بعد الواو بإضمار (أن) كقوله:
٥٧١ - لَاتَنهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ.................................. (١)
والجمهور على إسكان الدال من الدعاء، وقرئ: (وَتَدَّعوا) بتشديدها (٢)، من ادّعى القوم وتداعوا، إذا دَعَوا (٣)، والمعنى: فلا تضعفوا عن قتال العدو، ولا تنسبوا إلى الصلح وتحملوا أنفسكم عليه.
وقوله: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ يجوز أن تكون الواو واو الحال، وأن تكون للاستئناف، ولعطف الجملة على الجملة.
وقوله: ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ فيه وجهان، أحدهما: من وَتَرَهُ حقه يَتِرُه وَتْرًا، إذا نقصه. والثاني: من وَتَرْتُ فلانًا أَتِرُه وَتْرًا وتِرَةً، إذا أخذتَ له مالًا غَصبًا، أو قتلتَ له قتيلًا: من ولد، أو أخ، أو حميم. وقيل: حقيقته: أفردته من ماله أو قريبه، من الوِتْر وهو الفرد، فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر (٤). والمعنى: ولن يفردكم بغير ثواب، ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهلَه ومالَه" (٥). أي: أُفْرِدَ عنهما قتلًا ونهبًا.

(١) تقدم هذا الشاهد برقم (٦٨) وخرجته هناك.
(٢) قرأها أبو عبد الرحمن السلمي كما في مختصر الشواذ / ١٤١/. والمحتسب ٢/ ٢٧٣. والمحرر الوجيز ١٥/ ٧٩.
(٣) في (ب) و (ط): ادعوا.
(٤) قاله الزمخشري ٣/ ٤٦٠.
(٥) متفق عليه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، انظر صحيح البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب اثم من فاتته صلاة العصر (٥٥٢). ومسلم في المساجد، باب التغليظ في تفويت صلاة العصر (٦٢٦). وروي بنصب اللامين ورفعهما والنصب أشهر.


الصفحة التالية
Icon