ما يَنفيه الكِير مما يذاب من جواهر الأرض (١).
وقوله: ﴿تَبْصِرَةً وَذِكْرَى﴾ يجوز أن يكونا مفعولين لهما، أي: فعلنا ذلك تبصيرًا وتذكيرًا لكل عبد منيب، أي: لِنُبَصِّرَهُم ونُذَكِّرَهم فَيُبْصِرُوا قدرتنا بعين عقولهم، ويتذكروا نعمتنا بفكر قلوبهم، وأن يكونا مصدرين مؤكدين لفعلهما، أي: بصَّرناهم تبصيرًا، وذكَّرناهم تذكيرًا.
﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ تقديره عند أصحابنا البصريين: وحَبّ النبت أو الزرع الحصيد، أي: المحصود، فحذف المنعوت وأقيم النعت مقامه، وليس هذا من إضافة الشيء إلى صفته كما ذهب إليه الكوفيون وقالوا: الأصل الحب الحصيد، فحذفت الألف واللام، وأضيف الموصوف إلى الصفة، لأن الصفة والموصوف عند النحاة شيء واحد، فلو أضيف الشيء إلى صفته لكان الشيء مضافًا إلى نفسه، وهذا محال، ثم إن الحب لا يحصد وإنما يحصد النبت الذي فيه الحب، فاعرفه فإنه موضع (٢).
وقوله: ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ﴾ انتصاب ﴿بَاسِقَاتٍ﴾ على الحال من النخل، أي: طوالًا في السماء. وقيل: حوامل (٣)، من قولهم: أَبْسَقَتِ الناقةُ، إذا
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٧٦. وإعراب النحاس ٣/ ٢١٣ - ٢١٤. ومشكل مكي ٢/ ٣١٨ - ٣١٩. والبيان ٢/ ٣٨٤ - ٣٨٥.
(٣) أي مثقلة من الحمل، وهذا قول عكرمة والحسن كما في النكت والعيون ٥/ ٣٤٣. والقرطبي ٧/ ١٧. والأكثر على الأول.