﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٢١)﴾:
قوله عز وجل: ﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ أي: ما لي لا أراه حاضرًا، فحذف، ثم لاح له أنه غائب. وأضرب عن ذلك وأخذ بقول: أهو غائب؟ فـ (أَمْ) في قوله: ﴿أَمْ كَانَ﴾ هي المنقطعة، كالتي في قولهم: إنها لإِبلٌ أم شاةٌ.
وقوله: ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا﴾ جواب لقسم محذوف و ﴿أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ﴾: عطف عليه لفظًا وحُكْمًا، وهو داخل في جواب القسم، وأما ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي﴾ فليس بداخل في جواب القسم، لأنه لم يقسم على أن يأتيه بسلطان، وإنما الإقسام على التعذيب والذبح، والمعنى: والله لأعذبنه تعذيبًا شديدًا، أو لأذبحنه إلا أن يأتيني بحجة يظهر فيها عذره في غيبته عني، وإنما جرى على ما قبله على باب المجازاة، على معنى: إن أتى بحجة لم يكن تعذيب ولا ذبح، وإن لم يأت بها كان أحدهما، لا لأنه مثله وداخل في حكمه، فاعرفه فإنه موضع لطيف، ومن قال غير هذا فهو غالط مخلط في كلامه.
﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣)﴾:
قوله عز وجل: ﴿فَمَكَثَ﴾ قرئ: بضم الكاف وفتحها (١)، وهما لغتان بمعنىً. واختلف في فاعل الفعل.
فقيل: الهدهد (٢)، أي: فلبث الهدهد بعد تفقد سليمان إياه غير بعيد،

(١) قرأ عاصم، وروح عن يعقوب: (فمكَث) بفتح الكاف، وقرأ الباقون بضمها. انظر السبعة / ٤٨٠/. والحجة ٥/ ٣٨١. والمبسوط / ٣٣١/. والتذكرة ٢/ ٤٧٤.
(٢) انظر النكت والعيون ٤/ ٢٠٢. والمحرر الوجيز ١٢/ ١٠٣. وقال القرطبي ١٣/ ١٨٠: وهو الأكثر.


الصفحة التالية
Icon