كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (٣٤) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (٣٥)}:
قوله عز وجل: ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ﴾ قيل: ﴿كَلَّا﴾ ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة، كأنه قيل: ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا على ما بين أيديكم (١). ويجوز أن يكون معناه: (حقًّا) (٢).
والعامل في ﴿إِذَا﴾ محذوف يدل عليه قوله جل ذكره: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ أي: رُفعَتْ إلى الله، والمنوي في ﴿بَلَغَتِ﴾ للنفس وإن لم يجر لها ذكر، لأن وصف الحال يدل عليها.
و﴿التَّرَاقِيَ﴾: جمع تَرْقُوَة، وهي العظم المشرف على الصدر، ووزنها فَعْلُوَةٌ، والواو مزيدة، ولا يجوز أن يكون وزنها تَفْعُلة، لعدم مثال تَرْقٍ في الكلام. وحَكَى بعضُ أهل اللغة: تَرْقَيْتُ الرجلَ تَرْقاةً، إذا أصبتَ تَرْقُوَتَهُ (٣).
وقوله: ﴿مَنْ رَاقٍ﴾ ابتداء وخبره، و ﴿رَاقٍ﴾ إما من الرقي، أي: مَنْ يرقَى بروحه إلى السماء؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ وإما من الرُقْيَة، وفعله: رَقَاهُ يَرْقِيه، بفتح العين في الماضي وكسرها في الغابر، أي: أيُّكم يَرقِيه مما به من العلة فيشفيه؟
و﴿وَظَنَّ أَنَّهُ﴾ الظن هنا بمعنى اليقين، أي: وأيقن هذا المريض المشرف على الموت أنَّ هذا الذي نزل به هو فراق الدنيا المحبوبة.
وقوله: ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى﴾ أي لم يتصدق ولم يصل، و (لا) هنا بمعنى (لم)، والدليل على أن لا نافية بمعنى (لم) إتيان (لكن) بعدها، لأن
(٢) قدمه النحاس ٣/ ٥٦٨. وقال: تكون مبتدأ على هذا ههنا.
(٣) حكاه الجوهري (ترق) عن أبي يوسف.