لـ ﴿جَنَّةً﴾، لأجل عود الضمير وهو ﴿فِيهَا﴾. فإن قلت: فما الفرق بين هذا وبين ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ حيث جوزت فيه أن يكون صفة لجنة ومنعت في ﴿مُتَّكِئِينَ﴾؟ قلت: الفرق بينهما ظاهر، وذلك أن ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ اسم فاعل و ﴿لَا يَرَوْنَ﴾ فعل، وقد ذكرت فيما سلف من الكتاب أن اسم الفاعل إذا جرى صفة أو خبرًا أو حالًا أو صلة على غير من هو له لم يستتر فيه ضمير الفاعل، وذلك في الفعل جائز، وأوضحت ثَمَّ فأغناني عن الإعادة فاعرف الفُرْقَانَ بينهما (١).
واختلف في (الزمهرير) هنا، فقيل: هو القمر (٢)، فعلى هذا منصوب بقوله: ﴿لَا يَرَوْنَ﴾ معطوف على قوله: ﴿شَمْسًا﴾. وقيل: هو البرد الشديد (٣)، فعلى هذا منصُوب بإضمار فعل، أي: لا يرون فيها شمسًا ولا ينالون زمهريرًا، لأن البرد لا يرى، فيكون كقوله:

٦١٦ - عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا ............ (٤)
أي: وسقيتها ماء باردًا، فاعرفه فإنه موضع.
وقوله: ﴿وَدَانِيَةً﴾ فيها أوجه: أن تكون مفعولة للجزاء معطوفة على قوله: ﴿جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ على تقدير حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، أي: وجزاهم جنة أخرى دانية عليهم ظلالها، على أن لهم جنتين، بشهادة قوله جل ذكره: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ (٥). وأن تكون معطوفة على الجملة التي قبلها، لأنها في موضع الحال، وهذه حال مثلها عنهم لرجوع الضمير منها إليهم في ﴿عَلَيْهِمْ﴾ إلا أنها اسم مفرد، وتلك جملة في حكم مفرد وهي ﴿لَا يَرَوْنَ﴾ أي: غير رائين فيها شمسًا ولا زمهريرًا ودانية عليهم ظلالها،
(١) انظر إعرابه للآية (٦٣) و (١٤) من النساء.
(٢) قاله ثعلب كما في النكت والعيون ٦/ ١٦٩. والكشاف ٤/ ١٦٩. وزاد المسير ٨/ ٤٣٥.
(٣) هذا قول الجمهور، انظر جامع البيان ٢٩/ ٢١٣ - ٢١٤.
(٤) تقدم هذا الشاهد برقم (٤١).
(٥) سورة الرحمن، الآية: ٤٦.


الصفحة التالية
Icon