وقوله: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ (ما) الأولى نافية، والثانية يجوز أن تكون موصولة وعائدها محذوف، وأن تكون مصدرية، ومحلها النصب في كلا التقديرين على أنها مفعول ركل ﴿رَأَى﴾، والرؤية هنا من رؤية العين، أي: ما كذب فؤاد محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي رأته عيناه ليلة الإسراء، بل صدقه فؤاده، أو رؤيته إن جعلتها مصدرية. وقرئ: (ما كذّب) بالتشديد (١)، وهو قريب من التخفيف.
﴿أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (١٦) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)﴾:
قوله عز وجل: ﴿أَفَتُمَارُونَهُ﴾ قرئ: بضم التاء وبالألف بعد الميم، أي: فتجادلونه، والمراد بالمراء: الجدال بالباطل. وقرئ: (أَفَتَمْرُونَهُ) بفتح التاء من غير ألف (٢)، أي: أفتجحدونه، يقال: مَراه حقه، إذا جحده ودفعه، قال المبرد: أي: أفتدفعونه عما يرى، وقال: ﴿عَلَى﴾ بمعنى (عن) (٣).
قوله: ﴿نَزْلَةً﴾ مصدر واقع موقع رؤية، كأنه قال: ولقد رآه رؤية أخرى. وقيل: نصب على الظرف، أي: مرة أخرى. وقيل: هي في موضع الحال، والتقدير: رآه نازلًا نزلة أخرى.
وقوله: ﴿عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾ (عندَ) يجوز أن يكون من صلة رأى، وأن يكون حالًا من المفعول وهو جبريل عليه السلام، أي: كائنًا أو مستقرًا عند سدرة المنتهى.
(٢) قراءة صحيحة لحمزة، والكسائي، وخلف، ويعقوب. انظر السبعة ٦١٤ - ٦١٥. والحجة ٦/ ٢٣٠. والمبسوط / ٤١٩/. والتذكرة ٢/ ٥٦٨.
(٣) انظر قول المبرد في كامله ٢/ ٧٢١. وعنه النحاس في إعرابه ٣/ ٢٦٥.