فوقها (١)، على الانصراف من الغيبة إلى الخطاب، كقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ بعد قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾. وعكسه: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ بعد، قوله: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ﴾ (٢).
وقرئ: الأول بالياء النقط من تحتها على معنى: سيعلم الكفار، والثاني: بالتاء النقط من فوقه (٣)، على معنى: ستعلمون أنتم أيها المؤمنون.
﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (٦) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (٧) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (٨) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (١١) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (١٢) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (١٣) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (١٦)﴾:
قوله عز وجل: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (٦) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا﴾ الجعل هنا بمعنى التصيير، فلذلك تعدى إلى مفعولين وكذلك ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (١١)﴾.
و﴿مِهَادًا﴾ يجوز أن يكون مفردًا كالسراج والمثال، وأن يكون جمع مهد كَكِعابٍ في جمع كعبٍ، وإنما جمع لاختلاف أماكن الأرض من القرى والبلاد، وقيل: لاختلا التصرف فيها بالزرع والبناء والحَفْرِ وغير ذلك.
و﴿مَعَاشًا﴾ هنا ينبغي أن يكون اسم زمان، ليكون الثاني هو الأول،
(٢) سورة يونس، الآية: ٢٢.
(٣) كذا هذه القراءة أيضًا الأولى بالياء، والثانية بالتاء في المحرر الوجيز ١٦/ ٢٠٧. وعَكَسها أبو حيان ٨/ ٤١١. وتبعه تلميذه السمين ١٠/ ٦٤٩. الأولى كالحسن، والثانية كالعامة، ونسباها إلى الضحاك.