يكون الكُذَّابُ هنا واحدًا لا جمعًا، كرجل حُسَّانٍ، ووجهٍ وُضّاءٍ، وصفًا لمصدر محذوف، أي: كذَّبوا بآياتنا تكذيبًا كُذَّابًا، أي: متناهيًا في الكذب.
وقوله: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا﴾ الجمهور على نصب (كلَّ) ونصبه بإضمار فعل، وقرئ: (وكلُّ شيء) بالرفع (١)، ورفعه بالابتداء. و ﴿كِتَابًا﴾ مصدر مؤكد واقع موقع إحصاء حيث كان في معناه من جهة الضبط والتحصيل، أو ﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾ بمعنى كتبناه، كأنه قال: وكل شيء كتبناه كتابًا، وإما في موضع الحال من الضمير المنصوب في ﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾، أي: في حال كونه مكتوبًا في اللوح أو في صحف الحفظة على ما فسر (٢)، تسمية للمفعول بالمصدر كخَلْقِ الله، وضَرْبِ الأميرِ
﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (٣١) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (٣٢) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (٣٣) وَكَأْسًا دِهَاقًا (٣٤) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (٣٥) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (٣٦)﴾:
قوله عز وجل: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (٣١) حَدَائِقَ﴾ (مفازًا) مَفْعَل، يجوز أن يكون مصدرًا بمعنى الفوز، وأن يكون اسمًا لمكان الفوز، وهو هنا الجنة، أي: للمتقين نجاة في ذلك اليوم، وهو الجنة. و ﴿حَدَائِقَ﴾ بدل منه، بدل البعض من الكل، أي: إن لهم حدائق، وهي جمع حديقة، وهي البستان المحاط به، من أحدق بالشيء، إذا أحاط به، وهي فعيلة بمعنى مُفْعَلة، كشعيلة: بمعنى مُشْعَلَةٍ.
وقوله: ﴿وَكَأْسًا دِهَاقًا﴾ دهاق: فِعال من أدهقت الإناء، إذا ملأته، قال خداش بن زهير (٣):

(١) قرأها أبو السمال كما في مختصر الشواذ/ ١٦٨/. والكشاف ٤/ ١٧٩. والقرطبي ١٩/ ١٨٢.
(٢) انظر معالم التنزيل ٤/ ٤٣٩. والكشاف ٤/ ١٧٩.
(٣) من شعراء قيس المجيدين في الجاهلية، وكان أبو عمرو يقول: خداش أشعر من لبيد.


الصفحة التالية
Icon