ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)}:
قوله عز وجل: ﴿وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ﴾ عطف على جواب القسم، وكذا ﴿وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ عن أبي إسحاق وغيره (١). وأقسم جل ذكره أن هذا القرآن نزل به جبريل - عليه السلام - وأن محمدًا - ﷺ - ليس بمجنون، وأنه قد رأى جبريل بالأفق المبين.
ثم قال جل ذكره: (وما هو على الغيب بظنين) (٢) بظنين، أي: بمتهم، وهو فعيل بمعنى مفعول، أي: مظنون، وقرئ: (بِضَنِينٍ) بالضاد (٣)، أي: ببخيل، أي: لا يبخل بما عنده من الغيب، ولا يكتمه كما يفعله الكهان، وذلك أن الكهان لا يظهرون ما عندهم حتى يأخذوا عليه حُلوانًا، وحُلوانهم رُشاهم. و ﴿عَلَى﴾ من صلته على كلتا القراءتين.
وقوله: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ (أين) ظرف مكان، وهو معمول ﴿تَذْهَبُونَ﴾، أي: فإلى أين تذهبون وقد ظهر الحق ووضح الطريق؟ فحذف الجار كما حذف في قولهم: ذهبت الشام، أي: إلى الشام، ونحو هذا يقال لمن ترك التدبير، وأعرض عن النظر، وعدل عن جادة الصواب.
وقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ (إنْ) بمعنى (ما).
وقوله: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ﴾ (مَنْ) بدل مِن ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾ بإعادة الجار، بدل بعض من كل، وإنما خص هؤلاء. بالإبدال منهم وإن كان الذكر شاملًا

(١) انظر معاني الزجاج ٥/ ٢٩٢. والبيان ٢/ ٤٩٦.
(٢) على قراءة صحيحة كما سوف أخرج.
(٣) قرأ ابن كثير، والنحويان، ورويس بالأولى، وقرأ الباقون بالثانية. انظر السبعة/ ٦٧٣/. والمبسوط/ ٤٦٤/. والتذكرة ٢/ ٦١٧. والنشر ٢/ ٣٩٨ - ٣٩٩.


الصفحة التالية
Icon