أوضحت ذلك في الكتاب الموسوم بالدرة الفريدة في شرح القصيدة، فأغناني عن الإعادة هاهنا.
﴿وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (٥٢) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (٥٣) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (٥٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (٥٥) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (٥٦)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى﴾ نَصْبٌ بـ ﴿أَهْلَكَ﴾ عَطْفٌ على ﴿عَادًا﴾ لا بقوله: ﴿فَمَا أَبْقَى﴾، لأن ما بعد النفي لا يعمل فيما قبله، وكذلك قوله: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ﴾ عطف على ﴿عَادًا﴾، أي: وأهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود.
وقوله: ﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى﴾ عطف أيضًا، أي: وأهلك المؤتفكة (١)، ومفعول ﴿أَهْوَى﴾ محذوف، وهو ضمير المؤتفكة، والإهواء هنا: بمعنى الإسقاط، وفي التفسير: أنه رفعها إلى السماء على جناج جبريل عليه السلام ثم أهواها إلى الأرض، أي: أسقطها (٢). وقيل: أهْوَى: أكثر هوًى (٣)، وهو من باب التفضيل، كـ ﴿أَظْلَمَ وَأَطْغَى﴾، ومحله على هذا النصب إما على أنه خبر كان، أو على أنه حال، والتقدير: وأهلك أهل المؤتفكة وكانوا أكثر هَوًى من عادٍ وثمود، أو في حال كونهم أكثر هَوَىً منهم.
وقوله: ﴿فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى﴾ المنوي في الفعل الأول لله عز وجل، أي: أَلْبَسَ الله المؤتفكة ما ألبسها من العذاب، فمفعولا الفعل الأول مذكوران، أحدهما: ضمير المؤتفكة، والثاني: ﴿مَا﴾، وكذا المنوي في الفعل الثاني له جل ذكره، وأما مفعولاه فمحذوفان، أحدهما: ضمير ﴿مَا﴾، والآخر
(٢) انظر جامع البيان ٢٧/ ٧٩.
(٣) يعني أكثر ارتكابًا للهوى. وانظر هذا القول في النكت والعيون ٥/ ٤٠٦.