ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)}:
قوله عز وجل: ﴿آخِذِينَ﴾ نصب على الحال من المنوي في الظرف وهو ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾. قيل: فإن قيل: كيف أتى الظرف هنا مستقرًا و ﴿آخِذِينَ﴾ حالًا، وأتى عكسه في قوله جل ذكره: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾ (١)؟ فالجواب: أن الخبر مقصود الجملة، والغرض في ذكر المجرمين الإخبار عن تخليدهم، لأن المؤمن قد يكون في النار ولكن لا يخلد فيها، والمتقون خالدون في الجنة باقون فيها لا يخرجون منها، فلما كان كذلك جعل الظرف هنا مستقرًا، و ﴿آخِذِينَ﴾ فَضْلَة، وَعُكِس ثَمَّ، فاعرفه (٢).
وقوله: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ (كانوا) كان واسمها. و ﴿يَهْجَعُونَ﴾ خبرها. و ﴿مَا﴾ صلة. و ﴿قَلِيلًا﴾ نعت لظرف أو لمصدر محذوف، والتقدير: كانوا يهجعون وقتًا قليلًا من الليل، أو هجوعًا قليلًا من الليل، و ﴿مِنَ اللَّيْلِ﴾ في موضع الصفة لقوله: ﴿قَلِيلًا﴾، أي: كائنًا من الليل.
فإن قلتَ: هل يجوز أن تكون ﴿مَا﴾ مصدرية أو موصولة والتقدير: كانوا قليلًا من الليل هجوعُهم أو ما يهجعون فيه، وارتفاعه بـ ﴿قَلِيلًا﴾ على الفاعلية لأنه بمنزلة كريم وشديد في قولك: مررت برجلٍ كريمٍ أبوه، وشديدٍ ساعدُهُ، ويكون ﴿قَلِيلًا﴾ خبر كان؟ قلتُ: قد جوز ذلك وليسَ بالمتين، لأن ﴿قَلِيلًا﴾ هنا قد وصف بقوله: ﴿مِنَ اللَّيْلِ﴾، ونحو هذا إذا وصف لم يجز إعماله، لأن عمله إنما هو لأجل مشابهته بالفعل، والنعت يخرجه عن ذلك،

(١) سورة الزخرف، الآية: ٧٤.
(٢) انظر هذا التعليل في التبيان ٢/ ١١٧٩ أيضًا.


الصفحة التالية
Icon