وقوله: ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ نفي وإيجاب، أي ما تحل عاقبة الخدع إلا بهم.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: ﴿وَمَا يَخْادعُونَ﴾ بالألف. وقرأها مُوَرِّق العجلي: "يُخَدِّعون الله". واختار ابن جرير ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ﴾ دون "وما يخادعون" لأن لفظ "المخادع" غير موجب تثبيتَ خديعةٍ على صحَّة، قال: (ولا شك أن المنافق قد أوجب خديعة الله عز وجل لنفسِه بما ركِبَ من خداعِه ربَّه ورسولَه والمؤمنين بنفاقه، فلذلك وجبت الصِّحة لقراءة من قرأ: ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾).
قال النسفي: (﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾): أي وما يعاملون تلك المعاملة المشبهة بمعاملة المخادعين إلا أنفسهم لأن ضررها يلحقهم وحاصل خداعهم وهو العذاب في الآخرة يرجع إليهم فكأنهم خدعوا أنفسهم).
وقال القاسمي: (فخداعهم لله وللمؤمنين إظهار الإيمان والمحبة، واستبطان الكفر والعداوة. وخداع الله والمؤمنين إياهم مسالمتهم، وإجراء أحكام الإسلام عليهم. بحقن الدماء وحصن الأموال وغير ذلك. وادخار العذاب الأليم، والمآل الوخيم، وسوء المغبة لهم، وخزيهم في الدنيا لافتضاحهم بإخباره تعالى وبالوحي عن حالهم. لكن الفرق بين الخداعين: أن خداعهم لا ينجح إلا في أنفسهم، بإهلاكها، وتحسيرها، وإيراثها الوبال والنكال -بازدياد الظلمة، والكفر والنفاق، واجتماع أسباب الهلكة، والبعد والشقاء، عليها- وخداع الله يؤثر فيهم أبلغ تأثير، ويوبقهم أشد إيباق، كقوله تعالى. ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾).
وقوله: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾. أي: وهم من غاية غرقهم في جهلهم وغرورهم لا يحسون ما يُحاك لهم وما يُبَيَّتُ ضدهم.
قال ابن زيد: (ما يشعرون أنهم ضرّوا أنفسهم، بما أسرّوا من الكفر والنفاق).
وفي لغة العرب: شعر بالشيء إذا فَطِنَ له. ومنه قولهم: (ليت شِعْري) أي ليتني عَلِمْتُ.
قال الأخفش: (والشاعر: أي صاحب شِعر وسمي شاعرًا لفطنته).
وقال القرطبي: (وما يشعرون: أي يفطنون أن وبال خدعهم راجع عليهم، فيظنون