الاستهزاء ومعاقبهم عقوبة الخداع، فأخرج خبره عن جزائه إياهم وعقابه لهم مُخْرَج خبره عن فعلهم الذي استحقوا عليه العقاب.
قال النسفي: (الله يستهزئ بهم: أي يجازيهم على استهزائهم فسمى جزاء الاستهزاء باسمه). وقال الزجاج: (هو الوجه المختار، واستئناف قوله "الله يستهزئ بهم" من غير عطف في غاية الجزالة والفخامة، وفيه أن الله تعالى هو الذي يستهزئ بهم الاستهزاء الأبلغ الذي ليس استهزاؤهم إليه باستهزاء لما ينزل بهم من النكال والذل والهوان. ولما كانت نكايات الله وبلاياه تنزل عليهم ساعة فساعة قيل: الله يستهزئ بهم ولم يقل الله مستهزئ بهم).
التأويل الرابع: يستهزئ بهم بأن يظهر لهم من أحكامه في الدنيا مما فيه عصمة دمائهم وأموالهم خلاف الذي لهم عنده في الآخرة من العذاب والنكال. واختاره ابن جرير.
ومنه قول ابن عباس - فيما رواه عنه الضحاك -: (يسخر بهم للنقمة منهم).
التأويل الخامس: قيل بل هذا وأمثاله على سبيل الجواب. (نفاه ابن جرير) وقال: (وأما الذين زعموا أن قول الله تعالى ذكره: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ إنما هو على وجه الجواب، وأنه لم يكن من الله استهزاء ولا مكر ولا خديعة، فنافون عن الله عز وجل ما قد أثبته الله عز وجل لنفسه، وأوجبه لها).
وقوله تعالى: ﴿وَيَمُدُّهُمْ﴾.
قال ابن عباس: (يملي لهم) وقال مجاهد: (يزيدهم).
قال القرطبي: (يطيل لهم المدة ويمهلهم ويملي لهم، كما قال: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾).
وقال القاسمي: (يزيدهم على وجه الإملاء، والترك لهم فيم عتوهم وتمردهم، كما قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾).
وقال الحافظ ابن كثير: (قال بعضهم: كلما أحدثوا ذنْبًا أحدث لهم نعمة وهي في الحقيقة نقمة).
قلت: وفي السنة الصحيحة ما يدل على هذا المعنى.


الصفحة التالية