تخويف، ﴿وَبَرْقٌ﴾، ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾، يقول: يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين، ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ﴾. يقول: كلما أصاب المنافقون من الإسلام عزًا اطمأنّوا، وإن أصابَ الإسلام نكبةٌ قاموا ليرجعوا إلى الكفر، يقول: ﴿وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾، كقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج: ١١]).
وقال قتادة: (فالمنافق إذا رأى في الإسلام رخاءً أو طمأنينة أو سَلوة من عيش قال: أنا معكم وأنا منكم، وإذا أصابته شديدةٌ حقحق والله عندها، فانقطع به، فلم يصبر على بلائها، ولم يحتسب أجرها، ولم يَرْجُ عاقبتها).
التأويل الخامس: عن الربيع بن أنس قال: (مثلهم كمثل قوم ساروا في ليلة مظلمة، ولها مطر ورعد وبرق على جادّة، فلما أبرقت أبصروا الجادة فمضوا فيها، وإذا ذهب البرق تحيروا. وكذلك المنافق، كلما تكلم بكلمة الإخلاص أضاء له، فإذا شك تحيّر ووقع في الظلمة، فكذلك قوله: ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ ثم قال: في أسماعهم وأبصارهم التي عاشوا بها في الناس، ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾).
وقال الضحاك بن مُزاحم: (أما الظلمات فالضلالة، والبرق الإيمان).
وقال ابن زيد: (هذا أيضًا مثلٌ ضربه الله للمنافقين، كانوا قد استناروا بالإسلام، كما استنار هذا بنور هذا البرق).
وقال ابن جُريج: (ليس في الأرض شيء سمعه المنافق إلا ظنَّ أنه يُراد به، وأنه الموت، كراهيةً له - والمنافق أكره خلق الله للموت - كما إذا كانوا بالبَراز في المطر، فرّوا من الصواعق). وعن عطاء: (مثل ضرب للكافر).
وعن مجاهد: (﴿وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ قال: جامعهم في جهنم). وقال ابن عباس: (الله منزل ذلك بهم من النِّقمة).
وقد ذكر ابن جرير رحمه الله معظم هذه الأقوال وأخبر أنها متقاربات المعاني لأنها تنبئ جميعها عن أن الله ضرب الصيِّب مثلًا لظاهر إيمان المنافق، ومثّل ما فيه من ظلمات لضلالته، وما فيه من ضياء برقٍ لنور إيمانه، واتقاءه من الصواعق بتصيير أصابعه في أذنيه، لضعف جَنانه ونَخْبِ فؤاده من حُلول عقوبة الله بساحته، ومشيَه في


الصفحة التالية
Icon