إليكم أني أعلم الغيب الظاهر والخفيَّ، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (٧)﴾ [طه: ٧]. وكما قال تعالى إخبارًا عن الهُدْهد أنه قال لسليمان: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (٢٥) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [النمل: ٢٥ - ٢٦]).
وقد ذكر غير ذلك من تأويل في معنى قوله تعالى: ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾، وتفصيل ذلك:
التأويل الأول: عن ابن عباس: ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ قول: ما تظهرون، ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ يقول: أعلم السرّ كما أعلم العلانية. يعني: ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار).
وقال سعيد بن جبير: (ما أسر إبليس في نفسه).
وقال سفيان: (ما أسرّ إبليس في نفسه من الكبر ألا يسجد لآدم).
التأويل الثاني: عن الحسن بن دينار، قال للحسن -ونحن جلوس عنده في منزله-: يا أبا سعيد، أرأيت قول الله للملائكة: ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾، ما الذي كتمت الملائكة؟ فقال الحسن: (إن الله لما خلق آدم رأت الملائكة خلقًا عجيبًا فكأنهم دخلهم من ذلك شيء، فأقبلَ بعضهم إلى بعض، وأسرّوا ذلك بينهم، فقالوا: وما يُهمكم من هذا المخلوق! إن الله لن يخلق خلقًا إلا كنا أكرمَ عليه منه).
وقال قتادة: (أسرّوا بينهم فقالوا: يخلق الله ما يشاء أن يخلقُ، فلن يخلُقَ خلقًا إلا ونحن أكرم عليه منه).
التأويل الثالث: عن الربيع بن أنس: (﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾، فكان الذي أَبْدَوا حين قالوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾، وكان الذي كتموا بينهم قولهم: لن يخلق ربنا خلقًا إلا كنا نحن أعلم منه وأكرم. فعوفوا أن الله فضل عليهم آدم في العلم والكرم).
التأويل الرابع: عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، في قصة الملائكة وآدم، فقال الله للملائكة: كما لم تعلموا هذه الأسماء فليس لكم علم، إنما أردت أن أجعلهم ليفسدوا فيها، هذا عندي قد علمتُه ولذلك أخفيت عنكم أني أجعل فيها من يعصيني