وقوله: ﴿وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾.
يعني به أول من كفر به من بني إسرائيل، لأنه قد تقدمهم من كفار قريش وغيرهم من العرب بشَرٌ كثير.
قال بعض المفسرين: (أول فريق كافر به).
وقال ابن عباس: ﴿وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم). فالمقصود بالخطاب هم أهل الكتاب الذين سمعوا بالنبي - ﷺ - وبمبعثه.
وقوله: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾.
فيه أكثر من تأويل:
التأويل الأول: عن أبي العالية قال: (يقول: لا تأخذوا عليه أجرًا. قال: وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول: يا ابنَ آدم، عَلِّمْ مجّانًا كما عُلِّمْتَ مَجَّانًا).
التأويل الثاني: عن السدي قال: (يقول: لا تأخذوا طمعًا قليلًا وتكتموا اسمَ الله، وذلك الثمن هو الطمع).
التأويل الثالث: قال بعضهم: (معناه، لا تعتاضوا عن البيان والإيضاح ونشر العلم النافع في الناس بالكتمان واللَّبس، لتستمروا على رياستكم في الدنيا القليلة الحقيرة الزائلة عن قريب). قال القرطبي: (وهذه الآية وإن كانت خاصة ببني إسرائيل فهي تتناول من فعل فعلهم. فمن أخذ رشوة على تغيير حق أو إبطاله، أو امتنع من تعليم ما وجب عليه، أو أداء ما علمه وقد تعين عليه حتى يأخذ عليه أجرًا فقد دخل في مقتضى الآية. والله أعلم).
قلت: وكل هذه المعاني مقصودة وداخلة في مفهوم قوله تعالى ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ وقد جاءت السنة الصحيحة بذلك:
١ - أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: [إن أولَ الناس يُقْضى يوم القيامة عليه، رجل استُشْهِد، فَأُتِيَ به فعرَّفَهُ نِعْمَتَه فَعَرَفَها، قال: فما عَمِلْتَ فيها؟ قال: قاتَلْتُ فيك حتى اسْتُشْهِدْتُ، قال: كَذَبْتَ، ولكنَّكَ قاتَلْتَ لأَنْ يُقالَ جريءٌ، فقد قيل، ثم أُمِرَ به فسُحِبَ على وجهه حتى أُلقِيَ في النار، ورجلٌ تعلَّم العِلْمَ وعَلَّمه وقرأ القرآن، فأتيَ به، فعرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفها. قال: فما عمِلْتَ فيها؟ قال: تعلمْتُ العلمَ وعَلَّمْتُهُ وقرأتُ فيك القرآن. قال: كذبتَ ولكنَّكَ