وقوله: ﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾.
قال طَلْق بن حبيب: (التقوى أن تعمل بطاعة الله رجاء رحمة الله على نور من الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقابَ الله) ذكره ابن كثير من طريق أبي العالية.
وقال سهل بن عبد الله: (قوله: ﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ قال: موضع علمي السابق فيكم. ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ قال: موضع المكر والاستدراج، لقول الله تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ وقوله: ﴿فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾. فما استثنى نبيًّا ولا صديقًا) ذكره القرطبي.
وكأن المقصود أن التقوى تكون بعد العلم بالحلال والحرام ومواضع الزلل التي قد يُستدرج بها العبد، في حين الرهبة تكون بعد الإيمان وصدق اليقين. ولذلك جاءت العبارة في البحر لأبي حَيَّان بلفظ: (وقال سهل: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ موضع اليقين بمعرفته، ﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ موضع العلم السابق وموضع السكر والاستدراج).
قال ابن جرير: (﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ يقول: فاتقون - في بيعكم آياتي بالخسيس من الثمن، وشرائكم بها القليل من العَرَض، وكفركم بما أنزلت على رسولي وجحودكم نبوة نبيِّي - أن أُحِلَّ بكم ما أحللتُ بأسلافكم الذين سلكوا سبيلكم من المَثُلات والنَّقِمات).
٤٢ - ٤٤. قوله تعالى: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٤٤)﴾.
في هذه الآيات: الخطاب لليهود الذين كانوا يتعمدون تلبيس الحق بالباطل، وكتمان الحق وإظهار الباطل، فنهاهم سبحانه عن الشيئين معًا وأمرهم بإظهار الحق والتصريح به. وقد كان من لَبْسِ بعضهم إقراره بمحمد - ﷺ - وزعمه أنه مبعوث إلى غيرهم. ثم أمرهم سبحانه بمتابعة هذا النبي والصلاة معه في الجماعة ودفع زكاة أموالهم إليه. ثم حذرهم من التناقض في السلوك بأمر الناس بطاعة الله ومخالفة ذلك بأعمالهم. وتفصيل ذلك: