كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة، ويدَعون العملَ بما يأمرون به الناس، فعيَّرهم الله بذلك. فمن أمرَ بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة).
وقال: (كان الأحبار يحضّون على طاعة الله وكانوا هم يواقعون المعاصي).
٥ - عن ابن زيد قال: (هؤلاء اليهود، كان إذا جاء الرجل يسألُهم ما ليس فيه حقٌّ ولا رِشوة ولا شيء، أمروه بالحق. فقال الله لهم: (﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾).
٦ - وعن أبي قِلابَة، في قولِ الله: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾ قال: (قال أبو الدرداء: لا يفْقَهُ الرجل كلَّ الفقه حتى يمقُتَ الناس في ذات الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتًا).
وكل هذه الأقوال متقاربُ المعنى مفادها توبيخ هذا التناقض في السلوك الذي كان يعيشه اليهود وأمثالهم من المنافقين من أمر الناس بطاعة الله ومخالفة ذلك بأعمالهم.
وقوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
قال ابن عباس: (يقول: تدرسون الكتاب بذلك. ويعني، بالكتاب التوراة).
وأصل التلاوة في لغة العرب الاتباع. و (تَلَوْتُ) الرجلَ: تبعتُه، حكاه الرازي. قال القرطبي: (ولذلك استعمل في القراءة، لأنه يتبع بعض الكلام ببعض في حروفه حتى يأتيَ على نَسَقه. يقال: تلوتُه إذا تبعته تُلُوًّا، وتلوت القرآن تلاوة).
وقوله: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
قال ابن عباس: (يقول: أفلا تفهمون؟ ينهاهم عن هذا الخلُق القبيح).
وقال النسفي: (أفلا تفطنون لقبح ما أقدمتم عليه حتى يصدكم استقباحه عن ارتكابه وهو توبيخ عظيم).
وأصل العَقْل في لغة العرب: المنع والحجر والنُّهى. ومنه عِقال البعير: لأنه يمنع عن الحركة، والعقل أيضًا: الدية، لأنه يمنع وليّ المقتول عن قتل الجاني. ومنه يقال للحصن: مَعْقِل. قال الشافعي. (العقل آلة التمييز). وؤال المحاسبي: (العقل أنوار وبصائر) أو قال: (العقل غريزة).
وخلاصة المعنى: أفلا تفقهون وتفهمون قبح هذا التناقض المسلكي من أمركم الناس طماعة الله واجتناب معصيته ثم وقوعكم في حبائل ذلك.


الصفحة التالية
Icon