فجمع بين اللغتين، لأنه أراد: فأنعم الله عليهما خير النِّعم التي يختبر بها عبادَه) انتهى.
وفي التنزيل أيضًا: ﴿وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا﴾ [الأنفال: ١٧]. قال أبو الهيثم: (البلاء يكون حسنًا ويكون سيئًا، وأصله المِحنة، والله عز وجل يبلو عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره، ويبلوه بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره، فقيل للحسن بلاء، وللسَّيِّئ بلاء).
والخلاصة في المسألة:
١ - قيل: الإشارة بـ "ذلكم" إلى التنجية، فيكون البا، ء على هذا في الخير، أي تنجيتكم نعمة من الله عليكم. وهو اختيار ابن جرير.
٢ - قيل: بل الإشارة إلى الذبح. قال القرطبي: (وقال الجمهور: الإشارة إلى الذبح ونحوه، والبلاء هنا في الشر، والمعنى: وفي الذبح مكروه وامتحان).
قلت: ولا مانع من اشتمال اللفظ القرآني على المفهومين معًا على ما تم تفصيله من معنى البلاء.
فائدة: لقد نسب الله تعالى الفعل في هذه الآية - من العذاب والذبح وغيره - إلى آل فرعون، مع أنهم إنما كانوا يفعلون ذلك بأمر فرعون وسلطانه. قال الشافعي: (إذا أمر السلطان رجلًا بقتل رجل والمأمور يعلم أنه أمر بقتله ظُلمًا كان عليه وعلى الإمام القَوَد كقاتلَيْن معًا، وإن أكرهه الإمام عليه وعلم أنه يقتله ظلمًا كان على الإمام القَود).
قلت: ولا شك أن الواجب على المسلم التباعد من أهل الظلم حتى لا تناله سيئاتهم، فإن أهمل نفسه في صحبتهم فلربما أشركوه في آثامهم.
أخرج أبو داود بسند حسن عن العرس بن عميرة، عن النبي - ﷺ - قال: [إذا عُملِت الخطيئة في الأرض، كان من شهدها فكرهها كمنْ غاب عنها، ومنْ غاب عنها فرضِيَها كان كمن شهدَها] (١).

(١) حديث حسن. أخرجه أبو داود في السنن (٤٣٤٥) - من حديث العرس بن عميرة. وانظر صحيح سنن أبي داود (٣٦٥١)، وصحيح الجامع الصغير (٧٠٢).


الصفحة التالية
Icon