هارون العجلَ لم يعبدوه، فقال لهم موسى: انطلقوا إلى موعد ربِّكم. فقالوا: يا موسى، أما من توبة؟ قال: بلى! ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ الآية. فاخترطوا السيوف والجِرَزَةَ والخناجِرَ والسكاكين. قال: وبعث عليهم ضبابةً. قال: فجعلوا يتلامسون بالأيدي، ويقتل بعضهم بعضًا. قال: ويلقى الرجل أباه وأخاه فيقتله ولا يدري، ويتنادون فيها: رحم الله عبدًا صبَرَ نفسَهُ حتى يبلغ الله رضاه. وقرأ قول الله جل ثناؤه: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ﴾ [الدخان: ٣٣]. قال: فقتلاهم شُهداء، وتِيبَ على أحيائهم، وقرأ: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾).
وقوله: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾.
أي: ارجعوا إلى طاعة خالقكم وما يرضيه عنكم.
قال أبو العالية: (﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾، أي: إلى خالقكم).
وقال سفيان بن عيينة: (التوبة نعمة من الله أنعم الله بها على هذه الأمة دون غيرها من الأمم، وكانت توبة بني إسرائيل القتل).
قال القرطبي في هذه الآية: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾، وإنما عوقب الذين لم يعبدوا العجل بقتل أنفسهم لأنهم لم يغيروا المنكر حين عبدوه، وإنما اعتزلوا، وكان الواجب عليهم أن يقاتلوا من عبده. وهذه سنة الله في عباده إذا فشا المنكر ولم يُغَيَّرْ عوقب الجميع).
أخرج الإمام أحمد في المسند وأبو داود وابن ماجة في السنن بسند صحيح عن جرير قال: قال رسول الله - ﷺ -: [ما مِنْ قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، هم أعزُّ وأكثر ممن يعملُه، ثم لم يغيّروه، إلا عمهم الله تعالى منهُ بعقاب] (١).
ولفظ ابن ماجة: [ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي هم أعزُّ منهم وأمْنَعُ، لا يغيّرون، إلا عمهم الله بعقاب].
وأخرج ابن ماجة بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري: [أن رسول الله - ﷺ - قام خطيبًا. فكان فيما قال: "ألا، لا يَمْنَعَنَّ رجُلًا، هَيْبَةُ الناس، أن يقول بحقٍّ، إذا

(١) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في السنن (٤٣٣٨/ ١)، (٤٣٣٨)، وابن ماجة (٤٠٠٩). انظر صحيح سنن أبي داود (٣٦٢٤) (٣٦٤٥)، وصحيح الجامع (٥٦٢٥). وانظر تخريج المشكاة (٥١٤٢)، وصحيح سنن ابن ماجة (٣٢٣٨).


الصفحة التالية
Icon