يا موسى كيف لنا بماء ها هنا؟ أين الطعام؟ فأنزل الله عليهم المنّ - فكان يسقط على شجر التُّرَنْجبين - والسلوى، وهو طير يشبه السُّماني، فكان يأتي أحدهم فينظر إلى الطير، إن كان سمينًا ذبحه وإلا أرسله، فإذا سمن أتاه. فقالوا: هذا الطعام، فأين الشراب؟ فأُمر موسى فضوب بعصاه الحجرَ فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، فشرب كل سِبْطٍ من عين. فقالوا: هذا الطعام والشراب، فأين الظّل؟ فظلَّل عليهم الغمام. فقالوا: هذا الظل، فأين اللباس؟ فكانت ثيابهم تطولُ معهم كما تطول الصبيان، ولا يتخرّق لهم ثوب، فذلك قوله: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾ وقوله: ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُم﴾ [البقرة: ٦٠]).
التأويل الثاني: عن ابن إسحاق قال: (لما تاب الله عز وجل على بني إسرائيل، وأمر موسى أن يَرْفَع عنهم السيف من عبادة العجل، أمر موسى أن يسيرَ بهم إلى الأرض المقدسة، وقال: إني قد كتبتُها لكم دارًا وقرارًا ومنزلًا، فاخْرج إليها، وجاهِدْ من فيها من العدو، فإني ناصركُم عليهم. فسار بهم موسى إلى الأرض المقدسة بأمر الله عز وجل. حتى إذا نزل التِّيه -بين مصر والشام، وهي أرض ليس فيها خَمَرٌ ولا ظلٌّ- دعا موسى ربَّه حين آذاهم الحر، فظلّل عليهم بالغمام، ودعا لهم بالرزق، فأنزل الله لهم المنّ والسلوى).
التأويل الثالث: قال ابن جريج: قال عبد الله بن عباس: (خُلِقَ لهم في التِّيه ثيابٌ لا تَخْلَقُ ولا تدْرن). وقال ابن جريج: (إن أخذ الرجل من المن والسلوى فوق طعام يومٍ فَسَدَ، إلا أنهم كانوا يأخذون في يوم الجمعة طعام يوم السبت، فلا يصبح فاسدًا).
وقوله: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾.
قيل: "كلوا" فيه حذف والتقدير: وقلنا لهم كلوا. قال ابن كثير: (أمر إباحة وإرشاد وامتنان).
والمراد بالطيبات: قيل الشهيات من الرزق الذي رُزقوه. وقيل بل من حلاله المباح. واختار ابن جرير الأول الذي هو بمعنى اللذة، وقال: (لأنه وصف ما كان القوم فيه من هنيء العيش الذي أعطاهم).


الصفحة التالية
Icon