منهاج النبوة إلى قيام الساعة، بعكس حال مَنْ مضى ذكره ممن عصى وآثر الهوى على الحق وانتهك المحارم.
أما "الذين آمنوا" فهم الذين صدّقوا محمدًا عليه الصلاة والسلام وعظّموا ما جاء به من عند ربه عز وجل. قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: ٣٠].
وذهب النسفي إلى أن المراد الذين آمنوا بألسنتهم من غير مواطأة القلوب وهم المنافقون، وهو كما قال سفيان: (المراد المنافقون). قال القرطبي: (كأنه قال: الذين آمنوا في ظاهر أمرهم، فلذلك قرنهم باليهود والنصارى والصابئين، ثم بيّن حكم من آمن بالله واليوم الآخر من جميعهم).
قلت: والراجح القول الأول بأنهم المؤمنون بنبوة محمد - ﷺ - المتابعين لهديه وشرعه وإلا فلا يسمى المنافقون بالذين آمنوا، وهذا المعنى هو اختيار شيخ المفسرين ابن جرير رحمه الله.
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ هَادُوا﴾ هم اليهود، يقال: هاد القوم يهودون هَودًا وَهَادَة. ومعنى هادوا: تابوا. قال ابن جريج: (إنما سميت اليهود من أجل أنهم قالوا: ﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦]). وقال النسفي: (يقال هاد وتهود إذا دخل في اليهودية وهو هائد والجمع هود).
وقال القرطبي: (﴿وَالَّذِينَ هَادُوا﴾ معناه صاروا يهودًا، نُسبوا إلى يهوذا وهو أكبر ولد يعقوب عليه السلام، فقلبت العرب الذال دالًا، لأن الأعجمية إذا عُرِّبت غُيِّرت عن لفظها). وقال القاسمي: (وإنما لزمهم هذا الاسم، لأن الإسرائيليين الذين رجعوا من جلاء سبعين سنة، ومن سبي بابل إلى وطنهم القديم، كان أكثرهم من نسل يهوذا بن يعقوب). وقيل: (سُمّوا بذلك لتوبتهم عن عبادة العجل).
قال ابن كثير: (واليهود من الهوادة وهي المودة، أو التهود وهي التوبة، لقول موسى عليه السلام: ﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ أي: تبنا. فكأنهم سموا بذلك في الأصل لتوبتهم ومودتهم في بعضهم لبعض).
وقال أبو عمرو بن العلاء: (لأنهم يتهوّدون، أي يتحركون عند قراءة التوارة).