ما جاءت السنة الصحيحة بخلافه، ويفتقر أحيانًا أخرى إلى الأحاديث الصحيحة الواردة في مفهوم بعض الآيات.
ويليه في الشهرة تفسير ابن كثير، واسمه "تفسير القرآن العظيم"، ومؤلفه هو الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، وكنيتهُ (أبو الفداء). ولد سنة (٧٠٠) هجرية، وتوفي سنة (٧٧٤) هجرية. "لقد كان ابن كثير رحمه الله جبلًا شامخًا، وبحرًا ذاخرًا، في جميع العلوم، وخاصة في التاريخ والحديث والتفسير، وكان إمامًا جليلًا مُتَفنّنًا في أسلوب الكتابة والتأليف. قال عنه الذهبي. (الإمامُ المفتي، المحدّث البارع، فقيه متفنّن، محدّث متقن، مفسّر نقّال، وله تصانيف مفيدة).
وتفسير ابن كثير هو من أشهر ما دوّن في التفسير بالمأثور، ويعتبر الكتاب الثاني بعد كتاب الطبري، اعتنى فيه مؤلفه بالرواية عن مفسّري السلف، فروى الأحاديث والآثار مسندة إلى أصحابها وتكلّم عن بعضها بالجرح والتعديل، وردّ ما كان منها منكرًا أو غير صحيح.
وطريقته في التفسير أنه يذكر الآية، ثم يفسرها بعبارة سهلة موجزة، ويأتي لها بشواهد من آيات أخرى ومما تيسّر من السنة العطرة.
يقول الحافظ ابن كثير في مقدمة تفسيره: (فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب: إن أصح الطرق في ذلكَ أن يُفَسَّر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان، فقد بسط في موضع آخر، فإن أعياكَ ذلكَ، فعليكَ بالسنة، فإنها شارحةٌ للقرآن وموضحة له، وإذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا في ذلكَ إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلكَ لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي خُصُّوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح).
قلت: ومع تميّز تفسير ابن كثير في منهجه الأصيل، إلا أنهُ وقع فيما وقع به غيره من سرد بعض الإسرائيليات المطولة، وبعضها منكرة، وإيراد مجموعة من الأحاديث الضعيفه أو الواهية عقب سيل من الأحاديث الصحيحة التي تغني المعنى وتكفيهِ بالفهم والوضوح. إضافة إلى تشعّب الفهم لبعض الآيات أحيانًا نتيجة لتشعب الروايات والأقوال، وخاصة أن بعض هذه الأقوال معارض أحيانًا لتفسير النبي - ﷺ - الثابت بصحيح السنة العطرة.
* * *