قلت: الله أعلم بصحة ذلك فليس لدينا تفصيل من ديننا تقوم به الحجة. والخلاصة كما قال القاسمي رحمه الله: (المراد الصلاة التي كانوا يصلونها، والزكاة التي كانوا يخرجونها).
وقوله: ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾.
المقصود نكث يهود بني إسرائيل العهد السابق ونقضهم الميثاق، فبدّلوا وغيّروا وتركوا. قال ابن عباس: ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾ يقول: "أعرضتم عن طاعتي، ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ﴾ قال: القليل الذين اخترتهم لطاعتي، وسيحل عقابي عمّن تولى وأعرض عنها، يقول: تركها استخفافًا بها).
وقيل: بل الخطاب للأحفاد الذين كانوا بين ظهراني مُهاجر رسول الله - ﷺ - من يهود بني إسرائيل لنقضهم العهد الذي أخذ عليهم في التوراة وركوبهم المعاصي والآثام.
٨٤ - ٨٦. قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦)﴾.
في هذه الآياتِ: المراد بنو إسرائيل ومَنْ بعدهم، فإن الذين كانوا على عهد رسول الله - ﷺ - لم يكونوا أحسن حالًا من آبائهم، بل كانوا متورِّطين في تحالفات قتال مع الأوس والخزرج ضد بعضهم. فبنو قينقاع حلفاء الخزرج، وبنو قريظة والنضير حلفاء الأوس، فإذا نشبت الحرب قاتل كل فريق مع حلفائه، فيقتل اليهودي الآخر من الفريق الآخر، وذلك حرام عليهم في دينهم ونص كتابهم، ويخرجونهم من بيوتهم وينتهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال. ثم إذا وضعت الحرب أوزارها استفكَّوا الأسارى من الفريق المغلوب، عملًا بحكم التوراة.


الصفحة التالية
Icon